قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن ابن عامر (1)، عن صعصعة العبدي، عن أبرهة ابن الصباح، قال: قام يزيد بن أسد البجلي في أهل الشام يخطب الناس بصفين، وعليه قباء من خز، وعمامة سوداء، آخذا بقائم سيفه، واضعا نصل (2) السيف في الأرض، متوكئا عليه. قال صعصعة: فذكر لي أبرهة أنه كان يومئذ من أجمل العرب وأكرمها وأبلغها، فقال:
الحمد لله الواحد الفرد، ذي الطول والجلال العزيز الجبار، الحكيم الغفار، الكبير المتعال، ذي العطاء والفعال، والسخاء والنوال، والبهاء والجمال، والمن (3) والإفضال، مالك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلال، أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وفى كل حال من شدة أو رخاء. أحمده على نعمه التؤام وآلائه العظام، حمدا يستنير (4) بالليل والنهار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة النجاة في الحياة، وعند الوفاة وفيها الخلاص يوم القصاص، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، النبي المصطفى، وإمام الهدى، صلى الله عليه وسلم. ثم كان من قضاء (5) الله أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض، والله يعلم أنى كنت كارها لذلك، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا، وننظر لمعادنا، حتى نزلوا بين أظهرنا، وفى حريمنا وبيضتنا وقد علمنا أن في القوم أحلاما وطغاما، ولسنا نأمن من طغامهم على ذرارينا ونسائنا، ولقد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا، فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلناهم غدا حمية (6) فإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين!