ذكر حتى كان شيخا، لم تكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة ولا سقطة. فقيه في دين الله تعالى، عالم بحدود الله، ذو رأى أصيل، وصبر جميل، وعفاف قديم، فاتقوا الله وعليكم بالحزم والجد واعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل، إنما تقاتلون معاوية وأنتم مع البدريين، قريب من مائة بدري، سوى من حولكم من أصحاب محمد، أكثر ما معكم (1) رايات قد كانت مع رسول الله، ومع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله، فما (2) يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب، أنتم على إحدى الحسنيين، إما الفتح وإما الشهادة، عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعه واتقاه، وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه، وأستغفر الله لي ولكم (3).
قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي، عن صعصعة، بن صوحان، عن زامل بن عمرو الجذامي، قال: طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم على قتال علي عليه السلام ومن معه من أهل العراق، فعقد فرسه وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا، وخطب الناس، فقال:
الحمد لله حمدا كثيرا ناميا واضحا منيرا، بكرة وأصيلا، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وكفى بالله وكيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالفرقان إماما، وبالهدى ودين الحق، حين ظهرت المعاصي، ودرست الطاعة، وامتلأت الأرض جورا وضلالة واضطرمت الدنيا نيرانا وفتنة، وورك (4) عدو الله إبليس، على أن يكون قد عبد في أكنافها، واستولى على جميع أهلها، فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أطفأ الله به نيرانها، ونزع به أوتادها، وأوهن به