شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٩٢
قوى إبليس وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم، وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم كان من قضاء الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين، وإنا لنعلم أن فيهم قوما قد كانت لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة ذات شأن وخطر عظيم ولكني ضربت الامر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهدر دم عثمان صهر نبينا صلى الله عليه وسلم الذي جهز جيش العسرة وألحق في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتا وبنى سقاية، بايع له نبي الله بيده اليمنى على اليسرى، واختصه بكريمتيه أم كلثوم ورقية، فإن كان قد أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه، قال الله سبحانه لنبيه:
﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ (1)، وقتل موسى نفسا، ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب نوح، ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب أبوكم آدم، ثم استغفر الله فغفر له، ولم يعر أحدكم من الذنوب، وإنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن مالا على قتل عثمان فلقد خذله، وإنه لأخوه في دينه وابن عمه وسلفه وابن عمته. ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامكم، وبلادكم وبيضتكم، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل، فاستعينوا بالله واصبروا، فلقد ابتليتم أيتها الأمة، ولقد رأيت في منامي في ليلتي هذه، لكأنا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا، ونحن في ذلك جميعا ننادي: ويحكم الله! ومع أنا والله لا نفارق العرصة حتى نموت، فعليكم بتقوى الله، وليكن النيات لله، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما يبعث المقتتلون على النيات)، أفرغ الله علينا وعليكم الصبر، وأعز لنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم في كل أمر، وأستغفر الله لي ولكم (2).

(١) سورة الفتح ٢ (2) صفين 269، 270.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175