قوى إبليس وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم، وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ثم كان من قضاء الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين، وإنا لنعلم أن فيهم قوما قد كانت لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة ذات شأن وخطر عظيم ولكني ضربت الامر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهدر دم عثمان صهر نبينا صلى الله عليه وسلم الذي جهز جيش العسرة وألحق في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتا وبنى سقاية، بايع له نبي الله بيده اليمنى على اليسرى، واختصه بكريمتيه أم كلثوم ورقية، فإن كان قد أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه، قال الله سبحانه لنبيه:
﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر﴾ (1)، وقتل موسى نفسا، ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب نوح، ثم استغفر الله فغفر له، وقد أذنب أبوكم آدم، ثم استغفر الله فغفر له، ولم يعر أحدكم من الذنوب، وإنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن مالا على قتل عثمان فلقد خذله، وإنه لأخوه في دينه وابن عمه وسلفه وابن عمته. ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا شامكم، وبلادكم وبيضتكم، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل، فاستعينوا بالله واصبروا، فلقد ابتليتم أيتها الأمة، ولقد رأيت في منامي في ليلتي هذه، لكأنا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا، ونحن في ذلك جميعا ننادي: ويحكم الله! ومع أنا والله لا نفارق العرصة حتى نموت، فعليكم بتقوى الله، وليكن النيات لله، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما يبعث المقتتلون على النيات)، أفرغ الله علينا وعليكم الصبر، وأعز لنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم في كل أمر، وأستغفر الله لي ولكم (2).