قال أبو سنان الأسلمي: فأشهد لقد سمعت عمار بن ياسر، يقول للناس: أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لم تستقم عليه أولا، وأنها لن تستقيم عليه آخرا.
قال: ثم تفرق الناس، وقد نفذت أبصارهم في قتال عدوهم، فتأهبوا واستعدوا.
قال نصر (١): وحدثنا عمر بن سعد، عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب (٢) أن عليا عليه السلام، قال في هذه الليلة: حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا! ثم قام في الناس فقال:
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض، ولا ينقض ما أبرم، ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه، ولا تنازع (٣) البشر في شئ من أمره، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الاقدار، حتى لفت بيننا في هذا الموضع، ونحن من ربنا بمرأى ومسمع، ولو شاء لعجل النقمة، ولكان منه النصر، حتى يكذب الله الظالم، ويعلم الحق أين مصيره. ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال، والآخرة دار الجزاء والقرار: ﴿ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى﴾ (4). ألا إنكم لاقوا العدو غدا إن شاء الله فأطيلوا الليلة القيام، وأكثروا تلاوة القرآن، واسألوا الله الصبر والنصر، وألقوهم بالجد والحزم، وكونوا صادقين.
قال: فوثب الناس إلى رماحهم وسيوفهم ونبالهم يصلحونها، وخرج عليه السلام فعبى الناس ليلته تلك كلها حتى أصبح، وعقد الألوية، وأمر الامراء، وكتب الكتائب، وبعث إلى أهل الشام مناديا نادى (5) فيهم: اغدوا على مصافكم. فضج أهل الشام في معسكرهم، واجتمعوا إلى معاوية فعبى خيله، وعقد ألويته، وأمر أمراءه، وكتب كتائبه، وأحاط به أهل حمص في راياتهم، وعليهم أبو الأعور السلمي، وأهل الأردن في راياتهم عليهم عمرو بن العاص، وأهل قنسرين وعليهم زفر بن الحارث الكلابي، وأهل دمشق - وهم القلب -