وقتلتم إمامكم، فكيف رأيتم صنع الله بكم لم تعطوا ما طلبتم، ولم تدركوا ما أملتم، والله - إن شاء - مهلككم وناصرنا عليكم. فأرسل إليه عبد الله بن العباس: أن أبرز إلى، فأبى أن يفعل، وقاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا، ثم انصرفوا وكل غير غالب.
قال نصر: وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري، فلحق بعلي عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص وقال عمرو: يا معاوية، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة، ورحم ماسة، وقدم في الاسلام لا يعتد أحد بمثله وحده في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الاسلام ولهم في النفوس مهابة، فبادر بأهل الشام (1 مخاشن الأوعار، ومضايق الغياض 1)، واحملهم على الجهد، وائتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا، فتظهر فيهم كآبة الخذلان، ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل، وأن عليا على حق، فبادر الامر قبل اضطرابه عليك.
فقام معاوية في أهل الشام خطيبا، فقال:
أيها الناس أعيرونا جماجمكم وأنفسكم، لا تقتتلوا (2) ولا تتجادلوا، فإن اليوم يوم خطار، ويوم حقيقة وحفاظ، إنكم لعلى حق، وبأيديكم حجة، إنما تقاتلون من نكث البيعة، وسفك الدم الحرام، فليس له في السماء عاذر (3).
قدموا أصحاب السلاح المستلئمة، وأخرروا الحاسر، واحملوا بأجمعكم، فقد بلغ الحق مقطعه، (4) وإنما هو ظالم ومظلوم.