لنفعه، وأما غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان، لكان خلقه عبثا، والبارئ تعالى لا يجوز عليه العبث، فإذا جميع ما في العالم إنما خلقه لينفع به الحيوان.
فهذا هو الكلام في علة خلق العالم عندهم، وأما الكلام في وجه حسن تكليف الانسان، فذاك مقام آخر لسنا الآن في بيانه ولا الحاجة داعية إليه.
وثانيها: قول قوم من أصحابنا البغداديين: إنه خلق الخلق ليظهر به لأرباب العقول صفاته الحميدة، وقدرته على كل ممكن، وعلمه بكل معلوم، وما يستحقه من الثناء والحمد.
قالوا: وقد ورد الخبر أنه تعالى قال: (كنت كنزا لا أعرف، فأحببت أن أعرف)، وهذا القول ليس بعيدا.
وثالثها: للمجبرة: إنه خلق الخلق لا لغرض أصلا، ولا يقال: لم كان (1) كل شئ لعلة، ولا علة لفعله، ومذهب الأشعري وأصحابه أن إرادته القديمة تعلقت بإيجاد العالم في الحال التي وجد فيها لذاتها، ولا لغرض ولا لداع، وما كان يجوز ألا يوجد العالم حيث وجد، لان الإرادة القديمة، لا يجوز أن تتقلب وتتغير حقيقتها، وكذلك القول عندهم في أجزاء العالم المجددة من الحركات والسكنات، والأجسام وسائر الاعراض.
ورابعها: قول بعض المتكلمين: إن البارئ تعالى، إنما فعل العالم لأنه ملتذ بأن يفعل، وأجاز أرباب هذا القول عليه اللذة والسرور والابتهاج. قالوا: والباري سبحانه - وإن كان قبل أن يخلق العالم ملتذا بكونه قادرا على خلق العالم - إلا أن لذة الفعل أقوى من لذة القدرة على الفعل، كأن يلتذ بأنه قادر على أن يكتب خطا مستحسنا، أو يبنى بيتا محكما، فإنه إذا أخرج تلك الصناعة من القوة إلى الفعل كانت لذته أتم وأعظم. قالوا: ولم يثبت بالدليل العقلي استحالة اللذة عليه، وقد ورد في الآثار النبوية أن الله تعالى يسر، واتفقت الفلاسفة على أنه ملتذ بذاته وكماله.