شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٦٣
لنفعه، وأما غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان، لكان خلقه عبثا، والبارئ تعالى لا يجوز عليه العبث، فإذا جميع ما في العالم إنما خلقه لينفع به الحيوان.
فهذا هو الكلام في علة خلق العالم عندهم، وأما الكلام في وجه حسن تكليف الانسان، فذاك مقام آخر لسنا الآن في بيانه ولا الحاجة داعية إليه.
وثانيها: قول قوم من أصحابنا البغداديين: إنه خلق الخلق ليظهر به لأرباب العقول صفاته الحميدة، وقدرته على كل ممكن، وعلمه بكل معلوم، وما يستحقه من الثناء والحمد.
قالوا: وقد ورد الخبر أنه تعالى قال: (كنت كنزا لا أعرف، فأحببت أن أعرف)، وهذا القول ليس بعيدا.
وثالثها: للمجبرة: إنه خلق الخلق لا لغرض أصلا، ولا يقال: لم كان (1) كل شئ لعلة، ولا علة لفعله، ومذهب الأشعري وأصحابه أن إرادته القديمة تعلقت بإيجاد العالم في الحال التي وجد فيها لذاتها، ولا لغرض ولا لداع، وما كان يجوز ألا يوجد العالم حيث وجد، لان الإرادة القديمة، لا يجوز أن تتقلب وتتغير حقيقتها، وكذلك القول عندهم في أجزاء العالم المجددة من الحركات والسكنات، والأجسام وسائر الاعراض.
ورابعها: قول بعض المتكلمين: إن البارئ تعالى، إنما فعل العالم لأنه ملتذ بأن يفعل، وأجاز أرباب هذا القول عليه اللذة والسرور والابتهاج. قالوا: والباري سبحانه - وإن كان قبل أن يخلق العالم ملتذا بكونه قادرا على خلق العالم - إلا أن لذة الفعل أقوى من لذة القدرة على الفعل، كأن يلتذ بأنه قادر على أن يكتب خطا مستحسنا، أو يبنى بيتا محكما، فإنه إذا أخرج تلك الصناعة من القوة إلى الفعل كانت لذته أتم وأعظم. قالوا: ولم يثبت بالدليل العقلي استحالة اللذة عليه، وقد ورد في الآثار النبوية أن الله تعالى يسر، واتفقت الفلاسفة على أنه ملتذ بذاته وكماله.

(1) كذا في ج، وفى ا: (قالوا).
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175