الناس اختلفوا في كمية خلقه تعالى للعالم ما هي؟ على أقوال:
القول الأول: قول الفلاسفة.
قال محمد بن زكريا الرازي عن (1) أرسطا طاليس إنه زعم أن العالم كان عن الباري تعالى، لان جوهره وذاته جوهر وذات مسخرة للمعدوم أن يكون مسخرا موجودا.
قال: وزعم ابن قيس: أن علة وجود العالم وجود الباري.
قال: وعلى كلا القولين يكون العالم قديما، أما على قول أرسطو فلان جوهر ذات الباري لما كان قديما، لم يزل وجب أن يكون أثرها ومعلولها قديما. وأما على قول ابن قيس فلان الباري موجود لم يزل، لان وجوده من لوازم ذاته، فوجب أن يكون فيضه وأثره أيضا لم يزل هكذا.
قال ابن زكريا: فأما الذي يقول أصحاب أرسطا طاليس الآن في زماننا، فهو أن العالم لم يجب عن الله سبحانه عن قصد ولا غرض، لان كل من فعل فعلا لغرض كان حصول ذلك الغرض له أولى من لا حصوله، فيكون كاملا لحصول ذلك الغرض، وواجب الوجود لا يجوز أن يكون كاملا بأمر خارج عن ذاته، لان الكامل لا من ذاته ناقص من ذاته.
قالوا: لكن تمثل نظام العالم في علم واجب الوجود، يقتضى فيض ذلك النظام منه، قالوا: وهذا معنى قول الحكماء الأوائل: أن علمه تعالى فعلى لا انفعالي، وإن العلم على قسمين:
أحدهما: ما يكون المعلوم سببا له، والثاني ما يكون هو سبب المعلوم. مثال الأول أن نشاهد صورة فنعلمها، ومثال الثاني أن يتصور الصائغ أو النجار أو البناء كيفية العمل فيوقعه في الخارج على حسب ما تصوره.