مقدار ألف وأربعمائة سنة، فتحلل بتلك النار تلك الأجزاء المنعقدة من النور، الممتزجة بأجزاء الظلمة التي عجز الشمس والقمر عن استقصائها، فيرتفع إلى عالم الأنوار، ويبطل العالم حينئذ، ويعود النور كله إلى حاله الأولى قبل الامتزاج، فكذلك الظلمة.
القول الخامس: قول متكلمي الاسلام:
وهو على وجوه:
أولها: قول جمهور أصحابنا إن الله تعالى إنما خلق العالم للإحسان إليهم والانعام على الحيوان، لان خلقه حيا نعمة عليه، لان حقيقة النعمة موجودة فيه، وذلك أن النعمة هي المنفعة المفعولة للإحسان، ووجود الجسم حيا منفعة مفعولة للإحسان، أما بيان كون ذلك منفعة فلان المنفعة هي اللذة والسرور ودفع المضار المخوفة، وما أدى إلى ذلك وصححه، ألا ترى أن من أشرف على أن يهوى من جبل، فمنعه بعض الناس من ذلك، فإنه يكون منعما عليه، ومن سر غيره بأمر، وأوصل إليه لذة، يكون قد أنعم عليه، ومن دفع إلى غيره مالا يكون قد أنعم عليه، لأنه قد مكنه بدفعه إليه من الانتفاع، وصححه له، ولا ريب أن وجودنا أحياء يصحح لنا اللذات، ويمكننا منها، لأنا لو لم نكن أحياء لم يصح ذلك فينا. قالوا: وإنما قلنا إن هذه المنفعة مفعولة للإحسان، لأنها إما أن تكون مفعولة لا لغرض أو لغرض، والأول باطل، لان ما يفعل لا لغرض عبث، والبارئ سبحانه لا يصح أن تكون أفعاله عبثا، لأنه حكيم.
وأما الثاني، فإما أن يكون ذلك الغرض عائدا عليه سبحانه بنفع أو دفع ضرر، أو يعود على غيره. والأول: باطل، لأنه غنى لذاته، يستحيل عليه المنافع والمضار، ولا يجوز أن يفعله لمضرة يوصلها إلى غيره، لان القصد إلى الاضرار بالحيوان من غير استحقاق ولا منفعة يوصل إليها بالمضرة قبيح، تعالى الله عنه! فثبت أنه سبحانه إنما خلق الحيوان