شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٦٠
وتعشقها، وتطلب اللذة الجسمانية، وتكره مفارقة الأجسام، وتنسى نفسها، ولما كان الباري سبحانه قائم العلم والحكمة، اقتضت حكمته تركب الهيولي لما تعلقت النفس بها ضروبا مختلفة من التراكيب، فجعل منها أفلاكا وعناصر وحيوانات ونباتات، فأفاض على النفوس تعقلا وشعورا جعله سببا لتذكرها عالمها الأول ومعرفتها أنها ما دامت في هذا العالم مخالطة للهيولي لم تنفك عن الآلام، فيصير ذلك مقتضيا شوقها إلى عالمها الأول الذي لها فيه اللذات الخالية عن الآلام، ورفضها هذا العالم الذي هو سبب أذاها ومضرتها.
القول الثالث: قول المجوس: إن الغرض من خلق العالم أن يتحصن الخالق جل اسمه من العدو، وأن يجعل العالم شبكة له ليوقع العدو فيه، ويجعله في ربط ووثاق، والعدو عندهم هو الشيطان، وبعضهم يعتقد، قدمه وبعضهم حدوثه.
قال قوم منهم: إن البارئ تعالى استوحش، ففكر فكرة رديئة، فتولد منها الشيطان.
وقال آخرون: بل شك شكا رديئا، فتولد الشيطان من شكه.
وقال آخرون: بل تولد من عفونة رديئة قديمة، وزعموا أن الشيطان حارب البارئ سبحانه، وكان في الظلم لم يزل بمعزل عن سلطان البارئ سبحانه، فلم يزل يزحف حتى رأى النور، فوثب وثبة عظيمة، فصار في سلطان الله تعالى في النور، وأدخل معه الآفات والبلايا والسرور، فبنى الله سبحانه هذه الأفلاك والأرض والعناصر شبكة له، وهو فيها محبوس، لا يمكنه الرجوع إلى سلطانه الأول، وصار في (1) الظلمة، فهو أبدا يضطرب ويرمى الآفات على خلق الله سبحانه، فمن أحياه الله رماه الشيطان بالموت، ومن أصحه رماه الشيطان بالسقم، ومن سره رماه بالحزن والكآبة، فلا يزال كذلك، وكل يوم ينتقص سلطانه وقوته، لان الله تعالى يحتال له كل يوم، ويضعفه إلى أن تذهب قوته كلها،

(1) ج: (والظلمة).
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175