وعندي في هذا القول نظر، ولى في اللذة والألم رسالة مفردة وأما قوله: (لم يحلل في الأشياء، فيقال: لا هو فيها كائن ولا منها مباين)، فينبغي أن يحمل على أنه أراد أنه لم ينأ عن الأشياء نأيا مكانيا فيقال: هو بائن بالمكان، هكذا ينبغي أن يكون مراده، لأنه لا يجوز إطلاق القول بأنه ليس ببائن عن الأشياء، وكيف والمجرد بالضرورة بائن عن ذي الوضع، ولكنها بينونة بالذات لا بالجهة. والمسلمون كلهم متفقون على أنه تعالى يستحيل أن يحل في شئ إلا من اعتزى إلى الاسلام من الحلولية، كالذين قالوا بحلوله في علي وولده، وكالذين قالوا بحلوله في أشخاص يعتقدون فيها إظهاره كالحلاجية وغيرهم، والدليل على استحالة حلوله سبحانه في الأجسام، أنه لو صح أن يحل فيها لم يعقل منفردا بنفسه أبدا، كما أن السواد لا يعقل كونه غير حال في الجسم، لأنه لو يعقل غير حال في الجسم لم يكن سوادا، ولا يجوز أن يكون الله تعالى حالا أبدا، ولا أن يلاقى الجسم، إذ ذلك يستلزم قدم الأجسام، وقد ثبت أنها حادثة.
فأما قوله: (لم يؤده خلق ما ابتدأ) إلى قوله: (عما خلق) فهو حق، لأنه تعالى قادر لذاته، والقادر لذاته لا يتعب ولا يعجز، لأنه ليس بجسم، ولا قادر بقدرة يقف مقدورها عند حد وغاية، بل إنما يقدر على شئ لأنه تعالى ذات مخصوصة، يجب لها أن تقدر على الممكنات، فيكون كل ممكن داخلا تحت هذه القضية الكلية، والذات التي تكون هكذا لا تعجز، ولا تقف مقدوراتها عند حد وغاية أصلا، ويستحيل عليها التعب، لأنها ليست ذات أعضاء وأجزاء.
وأما قوله: (ولا ولجت عليه شبهة) إلى قوله: (وأمر مبرم) فحق، لأنه تعالى عالم لذاته، أي إنما علم ما علمه لا بمعنى أن يتعلق بمعلوم دون معلوم، بل إنما علم أي شئ أشرت إليه، لأنه ذات مخصوصة، ونسبة تلك الذات إلى غير ذلك الشئ المشار إليه