وتجمد وتصير جمادا لا حراك به، فيضعه الله تعالى حينئذ في الجو والجو عندهم هو الظلمة، ولا منتهى له، فيصير في الجو جمادا جامدا هوائيا، ويجمع الله تعالى أهل الأديان فيعذبهم بقدر ما يطهرهم، ويصفيهم من طاعة الشيطان، ويغسلهم من الأدناس، ثم يدخلهم الجنة، وهي جنة لا أكل فيها ولا شرب ولا تمتع ولكنها موضع لذة وسرور.
القول الرابع: قول المانوية:
وهو أن النور لا نهاية له من جهة فوق، وأما من جهة تحت فله نهاية والظلمة لا نهاية لها من جهة أسفل، وأما من جهة فوق فلها نهاية، وكان النور والظلمة هكذا قبل خلق العالم وبينهما فرجة وأن بعض أجزاء النور اقتحم تلك الفرجة لينظر إلى الظلمة، فأسرته (1) الظلمة، فأقبل عالم كثير من النور، فحارب الظلمة ليستخلص المأسورين من تلك الأجزاء، وطالت الحرب، واختلط كثير من أجزاء النور بكثير من أجزاء الظلمة، فاقتضت حكمة نور الأنوار - وهو البارئ سبحانه عندهم - أن عمل الأرض من لحوم القتلى والجبال من عظامهم، والبحار من صديدهم ودمائهم والسماء من جلودهم، وخلق الشمس والقمر وسيرهما لاستقصاء ما في هذا العالم من أجزاء النور المختلطة بأجزاء الظلمة، وجعل حول هذا العالم خندقا خارج الفلك الأعلى، يطرح فيه الظلام المستقصي، فهو لا يزال يزيد ويتضاعف ويكثر في هذا الخندق، وهو ظلام صرف قد استقصى نوره، وأما النور المستخلص فيلحق بعد الاستقصاء بعالم الأنوار من فوق، فلا تزال الأفلاك متحركة، والعالم مستمرا إلى أن يتم استقصاء النور الممتزج، وحينئذ يبقى من النور الممتزج شئ يسير، فينعقد بالظلمة لا تقدر النيران على استقصائه، فعند ذلك تسقط الأجسام العالية - وهي الأفلاك - على الأجسام السافلة - وهي الأرضون - وتثور نار وتضطرم في تلك الأسافل وهي المسماة بجهنم، ويكون الاضطرام