فأبصر، وأبصر فأقصر فقد أبصر أقوام ولم يقصروا، ثم هلكوا فلم يدركوا ما طلبوا، ولا رجعوا إلى ما فارقوا.
يا بن آدم، أذكر قوله عز وجل: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)، عدل عليك من جعلك حسيب نفسك.
خذوا صفوة الدنيا، ودعوا كدرها، ودعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، ظهر الجفاء وقلت العلماء، وعفت السنة، وشاعت البدعة، لقد صحبت أقواما ما كانت صحبتهم إلا قرة عين لكل مسلم، وجلاء الصدور، ولقد رأيت أقواما كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها، وكانوا مما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم عليكم منها.
ما لي أسمع حسيسا ولا أرى أنيسا! ذهب الناس، وبقى النسناس (1). لو تكاشفتم ما تدافنتم. تهاديتم الاطباق، ولم تتهادوا النصائح. أعدوا الجواب، فإنكم مسؤولون. إن المؤمن من لا يأخذ دينه عن رأيه، ولكن عن ربه (2). ألا إن الحق قد أجهد أهله، وحال بينهم وبين شهواتهم، [وما يصبر عليه إلا من عرف فضله، ورجا عاقبته، فمن حمد الدنيا ذم الآخرة (3)]، ولا يكره لقاء الله إلا مقيم على ما يسخطه. إن الايمان ليس بالتمني ولا بالتشهي، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
وهذا كلام حسن وموعظة بالغة، إلا أنه في الجزالة والفصاحة دون كلام أمير المؤمنين عليه السلام بطبقات.