واجب من جميع جهاته، إذ لو فرضنا جواز اتصافه بأمر جديد ثبوتي أو سلبي لقلنا: إن ذاته لا تكفى في تحققه، ولو قلنا ذلك لقلنا إن حصول ذلك الامر، أو سلبه عنه، يتوقف على حصول أمر خارج عن ذاته، أو على عدم أمر خارج عن ذاته، فتكون ذاته لا محالة متوقفة على حضور ذلك الحصول أو السلب، والمتوقف على المتوقف على الغير متوقف على الغير، وكل متوقف على الغير ممكن، والواجب لا يكون ممكنا.
فيكون معنى الكلام على هذا التفسير نفى كونه تعالى ذا صفة بكونه أولا وآخرا، بل إنما المرجع بذلك إلى إضافات لا وجود لها في الأعيان، ولا يكون ذلك من أحوال ذاته الراجعة إليها كالعالمية ونحوها، لان تلك أحوال ثابتة، ونحن إنما ننفي عنه بهذه الحجة (1) الأحوال المتعاقبة.
وأما قوله: (أو يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا)، فإن للباطن والظاهر تفسيرا على وجهين:
أحدهما: أنه ظاهر بمعنى أن أدلة وجوده وأعلام ثبوته وإلهيته جلية واضحة، ومعنى كونه باطنا أنه غير مدرك بالحواس الظاهرة، بل بقوة أخرى باطنة، وهي القوة العقلية.
وثانيهما: أنا نعنى بالظاهر الغالب، يقال: ظهر فلان على بنى فلان، أي غلبهم، ومعنى الباطن العالم، يقال بطنت سر فلان، أي علمته، والقول في نفيه عنه سبحانه أن يكون ظاهرا قبل كونه باطنا، كالقول فيما تقدم من نفيه عنه سبحانه كونه أولا قبل كونه آخرا.
وأما قوله: (كل مسمى بالوحدة غيره قليل)، فلان الواحد أقل العدد، ومعنى كونه واحدا يباين ذلك، لان معنى كونه واحدا إما نفى الثاني في الإلهية، أو كونه يستحيل عليها الانقسام، وعلى كلا التفسيرين يسلب عنها مفهوم القلة.
هذا إذا فسرنا كلامه على التفسير الحقيقي وإن فسرناه على قاعدة البلاغة وصناعة