الخطابة، كان ظاهرا، لان الناس يستحقرون القليل لقلته، ويستعظمون الكثير لكثرته، قال الشاعر:
تجمعتم من كل أوب ووجهة على واحد لا زلتمو قرن واحد وأما قوله: (وكل عزيز غيره ذليل) فهو حق، لان غيره من الملوك وإن كان عزيزا فهو ذليل في قبضة القضاء والقدر، وهذا هو تفسير قوله: (وكل قوى غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك).
وأما قوله: (وكل عالم غيره متعلم) فهو حق، لأنه سبحانه مفيض العلوم على النفوس، فهو المعلم الأول، جلت قدرته وأما قوله: (وكل قادر غيره يقدر ويعجز) فهو حق، لأنه تعالى قادر لذاته، ويستحيل عليه العجز، وغيره قادر لأمر خارج عن ذاته، إما لقدرة، كما قاله قوم، أو لبنية وتركيب كما قاله قوم آخرون، والعجز على من عداه غير ممتنع، وعليه مستحيل.
وأما قوله عليه السلام: (وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات، ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها) فحق، لان كل ذي سمع من الأجسام يضعف سمعه عن إدراك خفى الأصوات، ويتأثر من شديدها وقويها، لأنه يسمع (1) بآلة جسمانية والآلة الجسمانية ذات قوة متناهية واقفة عند حد محدود، والباري تعالى بخلاف ذلك.
واعلم أن أصحابنا اختلفوا في كونه تعالى مدركا للمسموعات والمبصرات، فقال شيخنا أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما: إن كونه مدركا صفة زائدة على كونه عالما، وقالا: إنا نصف الباري تعالى فيما لم يزل بأنه سميع بصير، ولا نصفه بأنه سامع مبصر، ومعنى كونه سامعا مبصرا أنه مدرك للمسموعات والمبصرات.