ووصلوا گلال ليلهم بگلال نهارهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أبدانهم، من طول القيام، وكثرة الصيام، يوفون بعهد الله، منجزون لوعد الله، قد سيروا أنفسهم في طاعة الله، حتى إذا التقت الكتيبتان (1)، وأبرقت سيوفها، وفوقت (2) سهامها، وأشرعت (3) رماحها، لقوا شبا (4) الأسنة وزجاج السهام (5) وظبى السيوف، بنحورهم، ووجوههم وصدورهم فمضى الشاب منهم قدما، حتى اختلفت رجلاه على عنق فرسه، واختضبت محاسن وجهه بالدماء، وعفر (6) جبينه بالتراب والثرى، وانحطت عليه الطير من السماء، ومزقته سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى بها صاحبها في جوف الليل من خوف الله!
وكم من وجه رقيق، وجبين عتيق (7) قد فلق بعمد الحديد.
ثم بكى فقال: آه، آه على فراق الاخوان، رحمة الله تعالى على تلك الأبدان، اللهم أدخل أرواحها الجنان.
قال أبو الفرج: وسار أبو حمزة، وخلف بالمدينة المفضل الأزدي في جماعة من أصحابه، وبعث مروان بن محمد عبد الملك بن عطية السعدي في أربعة آلاف من أهل الشام، فيهم فرسان عسكره ووجهوهم لحرب أبى حمزة وعبد الله بن يحيى طالب الحق، وأمر ابن عطية بالجد في المسير، وأعطى كل رجل من الجيش مائة دينار، وفرسا عربيا، وبغلا لثقله، فخرج ابن عطية حتى إذا كان بالمعلى، وكان رجل من أهل وادي القرى، يقال له: العلاء