برأيه في الرعية وفى دين الله، واستلحاقه زيادا، وهو يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وآله:
(الولد للفراش وللعاهر الحجر)، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ولم يجب عليهم القتل، ومهانته لأبي ذر الغفاري وجبهه وشتمه وإشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاق لانكاره عليه، ولعنه عليا وحسنا وحسينا وعبد الله بن عباس على منابر الاسلام، وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد، مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهارا، ولعبه بالنرد، ونومه بين القيان المغنيات، واصطباحه معهن، ولعبه بالطنبور بينهن، وتطريقه بنى أمية للوثوب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وخلافته، حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد، المفتضحين الفاسقين: صاحب حبابة وسلامة، والآخر رامي المصحف بالسهام وصاحب الاشعار في الزندقة والالحاد.
ولا ريب أن الخوارج إنما برئ أهل الدين والحق منهم لأنهم فارقوا عليا وبرئوا منه وما عدا ذلك من عقائدهم، نحو القول بتخليد الفاسق في النار، والقول بالخروج على أمراء الجور، وغير ذلك من أقاويلهم، فإن أصحابنا يقولون بها، ويذهبون إليها، فلم يبق ما يقتضى البراءة منهم إلا برأتهم من على، وقد كان معاوية يلعنه على رؤوس الاشهاد وعلى المنابر في الجمع والأعياد، في المدينة ومكة وفى سائر مدن الاسلام فقد شارك الخوارج في الامر المكروه منهم، وامتازوا عليه بإظهار الدين والتلزم بقوانين الشريعة، والاجتهاد في العبادة وإنكار المنكرات، وكانوا أحق بأن ينصروا عليه من أن ينصر عليهم، فوضح بذلك قول أمير المؤمنين: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي)، يعنى في ملك معاوية.
ومما يؤكد هذا المعنى أن عبد الله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاوية بالخوارج واستدعاهم إلى ملكه، فقال فيه الشاعر:
يا بن الزبير أتهوى فتية قتلوا * ظلما أباك ولما تنزع الشكك (1) ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية * يا طيب ذاك الدم الزاكي الذي سفكوا!
فقال ابن الزبير: لو شايعني الترك والديلم على محاربة بنى أمية، لشايعتهم وانتصرت بهم.