يا أهل المدينة، إنه لا تغنى عنكم صحة أبدانكم إذا سقمت قلوبكم، قد جعل الله لكل شئ سببا، غالبا عليه لينقاد إليه مطيع أمره، فجعل القلوب غالبة على الأبدان، فإذا مالت القلوب ميلا كانت الأبدان لها تبعا، وإن القلوب لا تلين لأهلها إلا بصحتها، ولا يصححها إلا المعرفة بالله، وقوة النية ونفاذ البصيرة، ولو استشعرت تقوى الله قلوبكم، لاستعملت في طاعة الله أبدانكم.
يا أهل المدينة، داركم دار الهجرة ومثوى الرسول صلى الله عليه وسلم، لما نبت به داره، وضاق به قراره، وآذاه الأعداء وتجهمت له، فنقله الله إليكم، بل إلى قوم لعمري لم يكونوا أمثالكم، متوازرين مع الحق على الباطل، مختارين الآجل على العاجل، يصبرون للضراء رجاء ثوابها، فنصروا الله وجاهدوا في سبيله، وآزروا (1) رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وآثروا الله على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة فقال الله تعالى لهم ولأمثالهم، ولمن اهتدى بهديهم: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). وأنتم أبناؤهم ومن بقي من خلفهم، تتركون أن تقتدوا بهم، أو تأخذوا بسنتهم، عمى القلوب صم الآذان، اتبعتم الهوى فأرداكم عن الهدى، وأسهاكم (2 عن مواعظ القرآن، لا تزجركم 2) فتنزجرون، ولا تعظكم فتتعظون، ولا توقظكم فتستيقظون، لبئس الخلف أنتم من قوم مضوا قبلكم!
ما سرتم سيرتهم، ولا حفظتم وصيتهم، ولا احتذيتم مثالهم، لو شقت عنهم قبورهم فعرضت عليهم أعمالكم لعجبوا كيف صرف العذاب عنكم! ألا ترون إلى خلافة الله، وإمامة المسلمين كيف أضيعت، حتى تداولها بنو مروان، أهل بيت اللعنة، وطرداء رسول الله، وقوم [من] (3) الطلقاء، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان! فأكلوا مال الله أكلا، وتلعبوا بدين الله لعبا، واتخذوا عباد الله عبيدا، يورث الأكبر منهم ذلك الأصغر، فيالها