وكان يقوم كل يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا: (إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). وإنما كان يقول ذلك معرضا بعثمان، حتى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه، ونهاه عن خطبته هذه، فأبى أن ينتهى، فكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان يستقدمه عليه.
وروى أنه لما خرج عبد الله بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج الناس معه يشيعونه، وقالوا له: يا أبا عبد الرحمن، ارجع، فوالله لا نوصله إليك أبدا، فإنا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون، ولا أحب أن أكون أول من فتحه.
وقد روى عنه أيضا من طرق لا تحصى كثرة أنه كان يقول: ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب، وتعاطى ما روى عنه في هذا الباب يطول، وهو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، وإنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت: من يتقبل منى وصية أوصيه بها على ما فيها! فسكت القوم، وعرفوا الذي يريد، فأعادها، فقال عمار بن ياسر رحمه الله تعالى: أنا أقبلها، فقال ابن مسعود: ألا يصلى على عثمان، قال: ذلك لك، فيقال: إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك، فقال له قائل:
إن عمارا ولى الامر، فقال لعمار: ما حملك على أن تؤذني؟ فقال: عهد إلى ألا أؤذنك، فوقف على قبره وأثنى عليه، ثم انصرف وهو يقول: رفعتم والله أيديكم عن خير من بقي، فتمثل الزبير بقول الشاعر:
لا ألفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي (1) ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان عائدا، فقال: ما تشتكي؟
فقال: ذنوبي، قال: فما تشتهى؟ قال: رحمه بي، قال: ألا أدعو لك طبيبا؟ قال: