قال قاضى القضاة: قال شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى: لم يثبت عندنا ولا صح عندنا ما يقال من طعن عبد الله عليه، وإكفاره له، والذي يصح من ذلك أن عبد الله كره منه جمعه الناس على قراءة زيد بن ثابت وإحراقه المصاحف، وثقل ذلك عليه كما يثقل على الواحد منا تقديم غيره عليه.
وقد قيل: إن بعض موالي عثمان ضربه لما سمع منه الوقيعة في عثمان، ولو صح أنه أمر بضربه لم يكن بأن يكون طعنا في عثمان بأولى من أن يكون طعنا في ابن مسعود، لان للامام تأديب غيره، وليس لغيره الوقيعة فيه إلا بعد البيان. وقد ذكر الشيخ أبو الحسين الخياط أن ابن مسعود إنما عابه لعزله إياه، وقد روى أن عثمان اعتذر إليه فلم يقبل عذره، ولما أحضر إليه عطاءه في مرضه، قال ابن مسعود: منعتني إياه إذ كان ينفعني، وجئتني به عند الموت! لا أقبله. وأنه وسط أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليزيل ما في نفسه فلم يجب، وهذا يوجب ذم ابن مسعود إذ لم يقبل الندم، ويوجب براءة عثمان من هذا العيب، لو صح ما صح ما رووه من ضربه.
اعترض المرتضى رحمه الله تعالى هذا الكلام، فقال: المعلوم المروي خلاف ما ذكره أبو علي، ولا يختلف أهل النقل في طعن ابن مسعود على عثمان، وقوله فيه أشد الأقوال وأعظمها، والعلم بذلك كالعلم بكل ما يدعى فيه الضرورة، وقد روى كل من روى السيرة من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج (1) يحثو على وأحثو عليه حتى يموت الأعجز منى ومنه!
ورووا أنه كان يطعن عليه، فيقال له: ألا خرجت عليه، ليخرج معك! فيقول:
لان أزاول جبلا راسيا أحب إلى من أن أزاول ملكا مؤجلا.