ظالم غلب إنسانا على رحله أو متاعه، فالواجب على المغلوب أن يمانعه ويدافعه ليخلص ماله من يده، ولا يقصد إلى إتلافه ولا قتله، فإن أفضى الامر إلى ذلك بلا قصد كان معذورا، وإنما خاف القوم - في التأني به، والصبر عليه، إلى أن يخلع نفسه - من كتبه التي طارت في الآفاق، يستنصر عليهم ويستقدم الجيوش إليهم، ولم يأمنوا أن يرد بعض من يدفع عنه فيؤدى ذلك إلى الفتنة الكبرى والبلية العظمى.
وأما منع الماء والطعام فما فعل ذلك إلا تضييقا عليه، ليخرج ويحوج إلى الخلع الواجب عليه. وقد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوي الجنايات، وتعذر إقامة الحد عليه لمكان الحرم. على أن أمير المؤمنين عليه السلام قد أنكر منع الماء والطعام، وأنفذ من مكن من حمل ذلك، لأنه قد كان في الدار من الحرم والنسوان والصبيان من لا يحل منعه من الطعام والشراب. ولو كان حكم المطالبة بالخلع والتجمع عليه والتضافر فيه حكم منع الطعام والشراب في القبح والمنكر، لا نكره أمير المؤمنين عليه السلام، ومنع منه كما منع من غيره، فقد روى عنه عليه السلام أنه لما بلغه أن القوم قد منعوا الدار من الماء، قال: لا أرى ذلك، إن في الدار صبيانا وعيالا، لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشا بجرم عثمان. فصرح بالمعنى الذي ذكرناه، ومعلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام ما أنكر المطالبة بالخلع، بل كان مساعدا على ذلك و مشاورا فيه.
فأما قوله: إن قتل الظالم إنما يحل على سبيل الدفع، فقد بينا أنه لا ينكر أن يكون قتله وقع على ذلك (1) الوجه، لأنه في تمسكه بالولاية عليهم وهو لا يستحقها، في حكم الظالم لهم، فمدافعته واجبة.