فعل النصيح المشفق الحدب المتحنن، ولو كان عليه السلام - وحوشي من ذلك - متهما عليه لما كان للتهمة عليه مجال في أمر الكتاب خاصة، لان الكتاب بخط عدوه مروان (1)، وفي يد غلام عثمان، ومحمول على بعيره، ومختوم بخاتمه، فأي ظن تعلق بأمير المؤمنين عليه السلام في هذا المكان، لولا العداوة وقلة الشكر للنعمة!
ولقد قال له المصريون لما جحد أن يكون الكتاب كتابه شيئا لا زيادة عليه في باب الحجة، لأنهم قالوا له: إذا كنت ما كتبت ولا أمرت به، فأنت ضعيف، من حيث تم عليك أن يكتب كاتبك بما تختمه بخاتمك، وينفذه بيد غلامك وعلى بعيرك بغير أمرك، ومن تم عليه ذلك لا يصلح أن يكون واليا على أمور المسلمين. فاختلع عن الخلافة على كل حال.
قال: ولقد كان يجب على صاحب،، المغني،، أن يستحيى من قوله: إن أمير المؤمنين عليه السلام قبل عذره، وكيف يقبل عذر من يتهمه ويستغشه، وهو له ناصح! وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام بعد سماع هذا القول منه معروف.
وقوله: إن الكتاب يجوز فيه التزوير، ليس بشئ، لأنه لا يجوز التزوير في الكتاب والغلام والبعير، وهذه الأمور إذا انضاف بعضها إلى بعض، بعد فيها التزوير، وقد كان يجب على كل حال أن يبحث عن القصة وعمن زور الكتاب، وأنفذ الرسول، ولا ينام عن ذلك، حتى يعرف من أين دهى، وكيف تمت الحيلة عليه، فيحترز من مثلها، ولا يغضي عن ذلك إغضاء ساتر له، خائف من بحثه وكشفه.
فأما قوله: إنه وإن غلب على الظن أن مروان كتب الكتاب، فإن الحكم بالظن لا يجوز، وتسليمه إلى القوم على ما سألوه إياه ظلم، لان الحد والأدب إذا وجب عليه، فالامام يقيمه دونهم، فتعلل بما لا يجدي، لأنا لا نعمل إلا على قوله في أنه لم يعلم أن