بل هو مباين للمخلوقين، إلا أنه في جهة فوق، وبينه وبين العرش بعد لا يتناهى.
هكذا يحكى المتكلمون عنه، ولم أره في شئ من تصانيفه وأحالوا ذلك، لان ما لا يتناهى لا يكون محصورا بين حاصرين، وأنا أستبعد عنه هذه الحكاية، لأنه كان أذكى من أن يذهب عليه فساد هذا القول وحقيقة مذهب مثبتي المكان أنه سبحانه متمكن على العرش، كما يتمكن الملك على سريره، فقيل لبعض هؤلاء: أهو أكبر من العرش، أم أصغر، أم مساو له؟ فقال: بل أكبر من العرش، فقيل له: فكيف يحمله؟ فقال:
كما تحمل رجلا الكركي جسم الكركي وجسمه أكبر من رجليه. ومنهم من يجعله مساويا للعرش في المقدار، ولا يمتنع كثير منهم من إطلاق القول بأن أطرافه تفضل عن العرش، وقد سمعت أنا من قال منهم: إنه مستو على عرشه كما أنا مستو على هذه الدكة (١) ورجلاه على الكرسي الذي وسع السماوات والأرض، والكرسي تحت العرش، كما يجعل اليوم الناس تحت أسرتهم كراسي يستريحون بوضع أرجلهم عليها.
وقال هؤلاء كلهم: إنه تعالى ينزل ويصعد حقيقة لا مجازا، وإنه يتحرك وينزل، فمن ذلك نزوله إلى السماء الدنيا، كما ورد في الخبر، ومن ذلك إتيانه و مجيئه، كما نطق به الكتاب العزيز في قوله سبحانه: ﴿هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام﴾ (2)، وقوله: (وجاء ربك والملك صفا صفا) (3).
وأطلق ابن الهيصم عليه هذه الألفاظ اتباعا لما ورد في الكتاب والسنة، وقال: لا أقول بمعانيها، ولا أعتقد حركته الحقيقية، وإنما أرسلها إرسالا كما وردت. وأما غيره فاعتقد معانيها حقيقة.
وقال ابن الهيصم في كتاب،، المقالات،،: إن أكثر الحشوية يجيز عليه تعالى العدو والهرولة.