على الفساد، لظهر فساده لطلبة الحق، وإنما يقع الاشتباه لامتزاج قضاياه الصادقة بالقضايا الكاذبة.
مثال ذلك احتجاج من أجاز الرؤية بأن البارئ تعالى ذات موجودة، وكل موجود يصح أن يرى، فإحدى المقدمتين حق، والأخرى باطل، فالتبس أمر النتيجة على كثير من الناس.
ومثال ما يكون المقدمتان جميعا باطلتين، قول قوم من الباطنية: البارئ لا موجود ولا معدوم، وكل ما لا يكون موجودا ولا معدوما يصح أن يكون حيا قادرا، فالبارئ تعالى يصح أن يكون حيا قادرا، فهاتان المقدمتان جميعا باطلتان. لا جرم أن هذه المقالة مرغوب عنها عند العقلاء!
ومثال ما تكون مقدماته حقا كلها: العالم متغير، وكل متغير ممكن، فالعالم ممكن، فهذا مما لا خلاف فيه بين العقلاء.
فإن قيل: فما معنى قوله عليه السلام: (فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى)، أليس هذا إشعارا بقول المجبرة وتلويحا به؟
قيل: لا إشعار في ذلك بالجبر، ومراده عليه السلام أنه إذا امتزج في النظر الحق بالباطل، وتركبت المقدمات من قضايا صحيحة وفاسدة، تمكن الشيطان من الإضلال والإغواء، ووسوس إلى المكلف، وخيل له النتيجة الباطلة، وأماله إليها، وزينها عنده، بخلاف ما إذا كانت المقدمات حقا كلها، فإنه لا يقدر الشيطان على أن يخيل له ما يخالف العقل الصريح، ولا يكون له مجال في تزيين الباطل عنده، ألا ترى أن الأوليات لا سبيل للانسان إلى جحدها وإنكارها، لا بتخييل الشيطان ولا بغير ذلك!