شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٣ - الصفحة ٢١٩
تعالى: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ (1)، فهذا علم بأمر مقدر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون.
القول الثاني: قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الأمور المستقبلة، وشبهوه بكونه مدركا، قالوا: كما أنه لا يدرك المستقبلات، فكذلك لا يعلم المستقبلات. وهو قول هشام بن الحكم (2).
القول الثالث: قول من زعم أنه لا يعلم الأمور الحاضرة، وهذا القول نقيض القول الثاني، وشبهوه بكونه قادرا، قالوا: كما أنه لا يقدر على الموجود، فكذلك لا يعلم الموجود، ونسب ابن الراوندي هذا القول إلى معمر بن عباد (3)، أحد شيوخنا، وأصحابنا يكذبونه في ذلك، ويدفعون الحكاية عنه.
القول الرابع: قول من زعم أنه تعالى لا يعلم نفسه خاصة، ويعلم كل ما عدا ذاته، ونسب ابن الراوندي هذه المقالة إلى معمر أيضا، وقال: إنه يقول: إن العالم غير المعلوم والشئ لا يكون غير نفسه، وأصحابنا يكذبون ابن الراوندي في هذه الحكاية، وينزهون معمرا عنها.
القول الخامس: قول من قال إنه تعالى لم يكن فيما لم يزل عالما بشئ أصلا، وإنما أحدث لنفسه علما علم به الأشياء، وهو قول جهم بن صفوان (4).
القول السادس: قول من قال إنه تعالى لا يعلم كل المعلومات على تفاصيلها، وإنما يعلم ذلك إجمالا وهؤلاء يسمون المسترسلية، لأنهم يقولون: يسترسل علمه على المعلومات

(١) سورة الأنعام ٢٨ (٢) هو هشام بن الحكم، من متكلمي الشيعة، وصاحب المقالة في التشبيه، وإليه تنسب الهشامية، إحدى الفرق الغالية، ذكره الشهرستاني وبسط آراءه في الملل والنحل 1: 164 - 166 (3) معمر بن عباد السلمي القدري، والنظر آراءه في الملل والنحل للشهرستاني 1: 65 - 67 (4) جهم بن صفوان، وإليه تنسب الفرقة الجهمية، من الجبرية، ظهرت بدعته بترمذ، وقتله سالم بن أخوز المازني بمرو، في آخر ملك بنى أمية، الشهرستاني 1: 79 - 81.
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست