وقال قوم منهم: إنه تعالى يجوز أن ينزل فيطوف البلدان، ويدور في السكك.
وقال بعض الأشعريين: إن سائلا سأل السكاك فقال: إذا أجزت عليه الحركة، فهلا أجزت عليه أن يطفر! فقال: لا يجوز عليه الطفر، لان الطفر إنما يكون فرارا من ضد، أو اتصالا بشكل. فقال له: فالحركة أيضا كذلك! فلم يأت بفرق.
فأما القول بأنه تعالى في كل مكان، فإن المعتزلة يقولون ذلك، وتريد (1) به أنه وإن لم يكن في مكان أصلا، فإنه عالم بما في كل مكان، ومدبر لما في كل مكان، وكأنه موجود في جميع الأمكنة لإحاطته بالجميع.
وقال قوم من قدماء الفلاسفة: إن البارئ تعالى روح شديد في غاية اللطافة، وفي غاية القوة، ينفذ في كل العالم. وهؤلاء يطلقون عليه أنه في كل مكان حقيقة لا تأويلا، ومن هؤلاء من أوضح هذا القول، وقال: إنه تعالى سار في هذا العالم سريان نفس الواحد منا في بدنه، فكما أن كل بدن منا له نفس سارية فيه تدبره، كذلك البارئ سبحانه هو نفس العالم، وسار في كل جزء من العالم، فهو إذا في كل مكان بهذا الاعتبار، لان النفس في كل جزء من البدن.
وحكى الحسن بن موسى النوبختي عن أهل الرواق من الفلاسفة، أن الجوهر الإلهي سبحانه روح ناري عقلي، ليس له صورة، لكنه قادر على أن يتصور بأي صورة شاء، ويتشبه بالكل، وينفذ في الكل بذاته وقوته، لا بعلمه وتدبيره.
* * * النوع الرابع: نفى كونه عرضا حالا في المحل، فالذي تذهب إليه المعتزلة وأكثر المسلمين والفلاسفة نفى ذلك القول باستحالته عليه سبحانه لوجوب وجوده، وكون كل حال في الأجسام ممكنا بل حادثا.