قال نصر: وحدثنا عمر بن سعد عن الحارث بن حصين عن عبد الله بن شريك، قال (1): خرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق، يظهران البراءة من أهل الشام، فأرسل علي عليه السلام إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما، فأتياه، فقالا: يا أمير المؤمنين، ألسنا محقين؟ قال: بلى، قالا: أو ليسوا مبطلين؟ قال: بلى، قالا: فلم منعتنا من شتمهم؟
قال: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتتبرأون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: من سيرتهم كذا وكذا، ومن أعمالهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان لعنكم إياهم، وبراءتكم منهم: اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بينهم وبيننا، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان منهم من لهج به - لكان أحب إلى وخيرا لكم فقالا: يا أمير المؤمنين، نقبل عظتك، ونتأدب بأدبك.
قال نصر: وقال له عمرو بن الحمق يومئذ: والله يا أمير المؤمنين، إني ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك، ولا إرادة مال تؤتينيه، ولا التماس سلطان ترفع ذكرى به، ولكنني أحببتك بخصال خمس: أك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله، ووصيه، وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله صلى الله عليه وآله، وأسبق الناس إلى الاسلام، وأعظم المهاجرين سهما في الجهاد، فلو أنى كلفت نقل الجبال الرواسي، ونزح البحور الطوامي، حتى يأتي على يومى في أمر أقوى به وليك، وأهين عدوك، ما رأيت أنى قد أديت فيه كل الذي يحق على من حقك.
فقال علي عليه السلام اللهم نور قلبه بالتقى، واهده إلى صراطك المستقيم (2)،