الناس أهل قوة، ومن ليس به ضعف (1) ولا علة، فمر مناديك، فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة، فإن أخا الحرب ليس بالسئوم ولا النئوم، ولا من إذا أمكنته الفرص أجلها، واستشار فيها، ولا من يؤخر عمل الحرب في اليوم لغد وبعد غد.
فقال زياد بن النضر: لقد نصح لك يزيد بن قيس يا أمير المؤمنين، وقال ما يعرف، فتوكل على الله، وثق به، وأشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا، فإن يرد الله بهم خيرا لا يتركوك رغبة عنك إلى من ليس له مثل سابقتك وقدمك (2) وإلا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا، ونرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس.
ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقال: يا أمير المؤمنين، إن القوم لو كانوا الله يريدون، ولله يعملون، ما خالفونا، ولكن القوم إنما يقاتلوننا فرارا من الأسوة وحبا للإثرة، وضنا بسلطانهم، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم، وعلى إحن في نفوسهم، وعداوة يجدونها في صدورهم، لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين، بهم قديمة، قتلت فيها آباء هم وأعوانهم (3).
ثم التفت إلى الناس، فقال: كيف يبايع معاوية عليا، وقد قتل أخاه حنظلة، وخاله الوليد، وجده عتبة في موقف واحد، والله ما أظنهم يفعلون (4)، ولن يستقيموا لكم دون أن تقصف فيهم قنا المران (5)، وتقطع على هامهم السيوف، وتنثر حواجبهم بعمد الحديد، وتكون أمور جمة بين الفريقين.