الشرح:
هذه الكلمات والأمثال ملتقطة من خطبة طويلة، منسوبة إليه عليه السلام، قد زاد (1) فيها قوم أشياء حملتهم عليها أهواؤهم، لا توافق ألفاظها طريقته عليه السلام في الخطب، ولا تناسب فصاحتها فصاحته، ولا حاجة إلى ذكرها، فهي شهيرة. ونحن نشرح هذه الألفاظ، لأنها كلامه عليه السلام، لا يشك في ذلك من له ذوق ونقد ومعرفة بمذاهب الخطباء والفصحاء في خطبهم ورسائلهم، ولان الرواية لها كثيرة، ولان الرضى رحمة الله تعالى عليه قد التقطها ونسبها إليه عليه السلام، وصححها وحذف ما عداها.
وأما قوله عليه السلام: " بنا اهتديتم في الظلماء "، فيعني بالظلماء الجهالة، وتسنمتم العلياء: ركبتم سنامها، وهذه استعارة.
قوله: " وبنا انفجرتم عن السرار "، أي دخلتم في الفجر، والسرار: الليلة والليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر. وروى " أفجرتم "، وهو أفصح وأصح، لان " انفعل " لا يكون إلا مطاوع " فعل "، نحو كسرته فانكسر، وحطمته فانحطم، إلا ما شذ من قولهم: أغلقت الباب فانغلق وأزعجته فانزعج. وأيضا فإنه لا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير، نحو انكسر وانحطم، ولهذا قالوا: إن قولهم انعدم خطأ وأما " أفعل " فيجئ لصيرورة الشئ على حال وأمر، نحو أغد البعير، أي صار ذا غدة، وأجرب الرجل، إذا صار ذا إبل جربى، وغير ذلك. فأفجرتم، أي صرتم ذوي فجر.
وأما " عن " في قوله: " عن السرار " فهي للمجاوزة على حقيقة معناها الأصلي، أي منتقلين عن السرار ومتجاوزين له.
وقوله عليه السلام: " وقر سمع " هذا دعاء على السمع الذي لم يفقه الواعية بالثقل والصمم، وقرت أذن زيد، بضم الواو فهي موقورة، والوقر، بالفتح. الثقل في الاذن