فكتب إليه عمرو: أما بعد، فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال، فإنا قدمنا بلادا رخيصة الأسعار، كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها، ووالله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك. وقد ائتمنتني، فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك. وذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير منى، فإذا كان ذاك فوالله ما دققت لك يا أمير المؤمنين بابا، ولا فتحت لك قفلا.
فكتب إليه عمر: أما بعد، فإني لست من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شئ، ولكنكم معشر الامراء، قعدتم على عيون الأموال، ولن تعدموا عذرا، وإنما تأكلون النار، وتتعجلون العار، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة، فسلم إليه شطر مالك.
فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاما ودعاه فلم يأكل، وقال هذه تقدمة الشر، ولو جئتني بطعام الضيف لأكلت، فنح عنى طعامك، وأحضر لي مالك، فأحضره، فأخذ شطره.
فلما رأى عمرو كثرة ما أخذ منه، قال: لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر، والله لقد رأيت عمر وأباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية (1) لا تجاوز مأبض (2) ركبتيه، وعلى عنقه حزمة حطب، والعاص بن وائل في مزررات الديباج. فقال محمد: إيها عنك يا عمرو!
فعمر والله خير منك، وأما أبوك وأبوه فإنهما في النار، ولولا الاسلام لألفيت معتلفا شاة، يسرك غزرها، ويسوءك بكوءها، (3) قال: صدقت فاكتم على، قال أفعل.
* * * قال الربيع بن زياد الحارثي: كنت (4) عاملا لأبي موسى الأشعري على البحرين