ثم جاءوا من بعدها يستقيلون *، وهيهات عثرة لا تقال!
وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة، فكثير من الناس رواها: " أقيلوني فلست بخيركم "، ومن الناس من أنكر هذه اللفظة ولم يروها، وإنما روى قوله: " وليتكم ولست بخيركم ".
واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة. ومن رواها اعتذر لأبي بكر فقال: إنما قال:
أقيلوني، ليثور (1) ما في نفوس (2) الناس من بيعته، ويخبر ما عندهم من ولايته، فيعلم مريدهم وكارههم، ومحبهم ومبغضهم. فلما رأى النفوس إليه ساكنة، والقلوب لبيعته مذعنة، استمر على إمارته وحكم حكم الخلفاء في رعيته، ولم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته.
قالوا: وقد جرى مثل ذلك لعلى عليه السلام، فإنه قال للناس بعد قتل عثمان: دعوني والتمسوا غيري، فأنا لكم وزيرا خير منى لكم أميرا. وقال لهم: اتركوني، فأنا كأحدكم، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، فأبوا عليه وبايعوه، فكرهها أولا، ثم عهد بها إلى الحسن عليه السلام عند موته.
قالت الامامية: هذا غير لازم، والفرق بين الموضعين ظاهر، لان عليا عليه السلام لم يقل: إني لا أصلح، ولكنه كره الفتنة، وأبو بكر قال كلاما معناه: إني لا أصلح لها، لقوله: " لست بخيركم "، ومن نفى عن نفسه صلاحيته للإمامة، لا يجوز أن يعهد بها إلى غيره.
واعلم أن الكلام في هذا الموضع مبنى على أن الأفضلية هل هي شرط في الإمامة أم لا؟
وقد تكلمنا في شرح " الغرر " لشيخنا أبى الحسين (3) رحمه الله تعالى في هذا البحث بما لا يحتمله هذا الكتاب.