في البطحاء على الصاع والمد. وأراد علي عليه السلام أن يحجر على عبد الله بن جعفر لتبذيره المال، فاحتال لنفسه، فشارك الزبير في أمواله وتجاراته، فقال عليه السلام: أما إنه قد لاذ بملاذ، ولم يحجر عليه. وكان طلحة شجاعا وكان شحيحا، أمسك عن الانفاق حتى خلف من الأموال ما لا يأتي عليه الحصر. وكان عبد الملك شجاعا وكان شحيحا، يضرب به المثل في الشح، وسمي رشح الحجر، لبخله. وقد علمت حال أمير المؤمنين عليه السلام في الشجاعة والسخاء، كيف هي وهذا من أعاجيبه أيضا عليه السلام!
* * * قال الرضى رحمه الله:
وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد، والمعنى المكرر، والعذر في ذلك أن روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا، فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنقل على وجهه، ثم وجد بعد ذلك في رواية أخرى موضوعا غير وضعه الأول، أما بزيادة مختارة، أو بلفظ أحسن عبارة، فتقتضي الحال أن يعاد استظهارا للاختيار، وغيرة على عقائل الكلام. وربما بعد العهد أيضا بما اختير أولا، فأعيد بعضه سهوا ونسيانا، لا قصدا أو اعتمادا. ولا أدعي مع ذلك أنني أحيط بأقطار جميع كلامه عليه السلام، حتى لا يشذ عني منه شاذ، ولا يند ناد بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إلي، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي، وما علي إلا بذل الجهد، وبلاغة الوسع، وعلى الله سبحانه نهج السبيل، وإرشاد الدليل.
ورأيت من بعد تسمية هذا الكتاب ب " نهج البلاغة "، إذ كان يفتح للناظر فيه أبوابها، ويقرب عليه طلابها، وفيه حاجة العالم والمتعلم، وبغية البليغ والزاهد، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى عن شبه الخلق، ما هو بلال كل غلة، وشفاء كل علة، وجلاء كل شبهة. ومن الله أستمد التوفيق والعصمة، وأتنجز التسديد والمعونة، وأستعيذه من خطأ الجنان قبل خطأ