واستيحاش، وأمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس وأعظمهم إراقة للدم، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيا، وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله ومثلاته، وأشدهم اجتهادا في العبادة، وآدابا لنفسه في المعاملة. وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا، وأسفرهم وجها، وأكثرهم بشرا، وأوفاهم هشاشة، وأبعدهم عن انقباض موحش، أو خلق نافر، أو تجهم مباعد، أو غلظة وفظاظة تنفر معهما نفس، أو يتكدر معهما قلب. حتى عيب بالدعابة، ولما لم يجدوا فيه مغمزا ولا مطعنا تعلقوا بها، واعتمدوا في التنفير عنه عليها.
* وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (1) * وهذا من عجائبه وغرائبه اللطيفة.
ومنها أن الغالب على شرفاء الناس ومن هو من أهل بيت السيادة والرياسة أن يكون ذا كبر وتيه وتعظم وتغطرس، خصوصا إذا أضيف إلى شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أخرى، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في مصاص الشرف ومعدنه ومعانيه، لا يشك عدو ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد ابن عمه صلوات الله عليه، وقد حصل له من الشرف غير شرف النسب جهات كثيرة متعددة، قد ذكرنا بعضها، ومع ذلك فكان أشد الناس تواضعا لصغير وكبير، وألينهم عريكة، وأسمحهم خلقا، وأبعدهم عن الكبر، وأعرفهم بحق، وكانت حاله هذه في كلا زمانيه: زمان خلافته،