ومن روى الرواية الأولى وقف على قوله: " إلى الله " ويكون قوله: " من معشر " من تمام صفات ذلك الحاكم، أي هو من معشر صفتهم كذا.
وأبور " أفعل " من البور الفاسد، بار الشئ، أي فسد، وبارت السلعة، أي كسدت ولم تنفق، وهو المراد هاهنا، وأصله الفساد أيضا.
إن قيل: بينوا الفرق بين الرجلين اللذين أحدهما وكله الله إلى نفسه، والآخر رجل قمش جهلا، فإنهما في الظاهر واحد.
قيل: أما الرجل الأول، فهو الضال في أصول العقائد، كالمشبه والمجبر ونحوهما، ألا تراه كيف قال: " مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة "، وهذا يشعر بما قلناه، من أن مراده به المتكلم في أصول الدين، وهو ضال عن الحق، ولهذا قال: إنه فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من قبله، مضل لمن يجئ بعده. وأما الرجل الثاني فهو المتفقه في فروع الشرعيات، وليس بأهل لذلك، كفقهاء السوء، ألا تراه كيف يقول: جلس بين الناس قاضيا!
وقال أيضا: " تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث ".
فإن قيل: ما معنى قوله في الرجل الأول: " رهن بخطيئته "؟ قيل: لأنه إن كان ضالا في دعوته مضلا لمن اتبعه، فقد حمل خطاياه وخطايا غيره، فهو رهن بالخطيئتين معا، وهذا مثل قوله تعالى: ﴿وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم﴾ (1).
إن قيل: ما معنى قوله " عم بما في عقد الهدنة "؟ قيل: الهدنة أصلها في اللغة السكون، يقال: هدن إذا سكن، ومعنى الكلام أنه لا يعرف ما في الفتنة من الشر، ولا ما في السكون والمصالحة (2) من الخير.