رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته والقصة طويلة محصلها أنه صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال من يحرسنا الليلة فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليل للحراسة فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث فنزعه وركع وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال لم لا أنبهتني أول ما رمى قال كنا في سورة فأحببت أن لا أقطعها فظاهر هذا الحديث يدل على ما ذهب إليه أحمد وإسحاق ومن تبعهما فتفكر (وقال الشافعي يجب عليه الغسل وإن كان أقل من الدرهم) قال صاحب الهداية وقال زفر والشافعي لا تجوز قليل النجاسة وكثيرها سواء لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل انتهى قال العيني في شرح البخاري قال ابن بطال حديث أسماء أصل عند العلماء في غسل النجاسات من الثياب ثم قال وهذا الحديث محمول عندهم على الدم الكثير لأن الله تعالى شرط في نجاسته أن يكون مسفوحا وهو كناية عن الكثير الجاري لأن الفقهاء اختلفوا في مقدار ما يتجاوز عنه من الدم فاعتبر الكوفيون فيه وفي النجاسات دون الدرهم في الفرق بين قليله وكثيره وقال مالك قليل الدم معفو ويغسل قليل سائر النجاسات وروى عن ابن وهب أن قليل دم الحيض ككثيره وكسائر الأنجاس بخلاف سائر الدماء والحجة في أن اليسير من دم الحيض كالكثير قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء حتيه ثم أقرصيه حيث لم يفرق بين قليله وكثيره ولا سألها عن مقداره ولم يحد فيه مقدار الدرهم ولا دونه قال العيني حديث عائشة ما كان لأحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض فإن أصابه شئ من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها رواه أبو داود وأخرجه البخاري أيضا ولفظه قالت بريقها فقصعته يدل على الفرق بين القليل والكثير وقال البيهقي هذا في الدم اليسير الذي يكون معفوا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أي عن عائشة أنها كانت تغسله فهذا حجة عليهم في عدم الفرق بين القليل والكثير من النجاسة وعلى الشافعي أيضا في قوله إن يسير الدم يغسل كسائر الأنجاس إلا دم البراغيث فإنه لا يمكن التحرز عنه وقد روي عن أبي هريرة أنه لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم فمسه بيده وصلى فالشافعية ليسوا بأكثر احتياطا من أبي هريرة وابن عمر ولا أكثر رواية منهما حتى خالفوهما حيث لم يفرقوا بين القليل والكثير على أن قليل الدم موضع ضرورة لأن الانسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة ودمل أو برغوث فعفي عنه ولهذا حرم الله المسفوح منه فدل أن غيره ليس بمحرم انتهى كلام العيني
(٣٦٢)