يصح أن يحال الحكم عليه انتهى كلام ابن القيم وأما قوله لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر إلخ ففيه أن الجوربين إذا كانا من غير الجلد وكانا ثخينين صفيقين بحيث يستمسكان على القدمين بلا شد ويمكن تتابع المشي فيهما فلا شك في أنه ليس بين هذين الجوربين والخفين فرق مؤثر لأنهما في معنى الخفين وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن تتابع المشي فهما ليسا في معنى الخفين فلا شك في أن بينهما وبين الخفين فرقا مؤثرا ألا ترى أن الخفين بمنزلة النعلين عند عدم وجدانهما يذهب الرجل فيهما ويجئ ويمشي أينما شاء فلابس الخفين لا يحتاج إلى نزعهما عند المشي فلا ينزعهما يوما وليلة بل أياما وليالي فهذا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء بخلاف لابس الجوربين الرقيقين فإنه كلما أراد أن يمشي يحتاج إلى النزع فينزعهما في اليوم والليلة مرات عديدة وهذا لا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء وهذا الفرق يقتضي أن يرخص للابس الخفين دون لابس الجوربين الرقيقين فقياس هذا على ذلك قياس مع الفارق فعدم ظهور الفرق المؤثر بينهما وبين الخفين ممنوع ولو سلم أنه لا يظهر الفرق بينهما وبين الخفين فلا شك في أن الجوربين الرقيقين ليس داخلين تحت أحاديث الخفين لأن الجورب ليس من أفراد الخف فلا وجه لجواز المسح عليهما إلا مجرد القياس ولا يترك ظاهر القرآن بمجرد القياس البتة فإن قلت قد أجاب الحافظ بن القيم عن قول مسلم لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل فقال جوابه من وجهين أحدهما أن ظاهر القران لا ينفي المسح على الجوربين إلا كما ينفي المسح على الخفين وما كان الجواب عن موارد الاجماع فهو الجواب عن مسألة النزاع الثاني الذين سمعوا القران من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه انتهى قلت في كلا الوجهين من الجواب نظر أما الوجه الأول ففيه أنه قد ورد في المسح على الخفين أحاديث كثيرة قد أجمع على صحتها أئمة الحديث فلأجل هذه الأحاديث الصحيحة تركوا ظاهر القرآن وعملوا بها وأما المسح على الجوربين فلم يرد فيه حديث أجمع على صحته وما ورد فيه فقد عرفت ما فيه من المقال فكيف يترك ظاهر القرآن ويعمل به وأما الوجه الثاني ففيه أنه لم يثبت أن الجواربة التي كان الصحابة رضي الله عنهم يمسحون عليها كانت رقائق بحيث لا تستمسك على الأقدام ولا يمكن لهم تتابع المشي فيها فيحتمل أنها كانت صفيقة ثخينة فرأوا أنها في معنى الخفاف وأنها داخلة تحت أحاديث المسح على الخفين وهذا الاحتمال هو الظاهر عندي وقد عرفت قول الإمام أحمد إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف
(٢٨٥)