سنن أبي داود نص الشافعي في الأم على أنه يجوز المسح على الجوربين بشرط أن يكون صفيقا منعلا وقطع به جماعة من الشافعية ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين مجلدي القدمين قال القاضي أبو الطيب لا يجوز المسح على الجوربين إلا أن يكون سائر المحل الفرض يمكن متابعة المشي عليه هذا هو الصحيح في المذهب انتهى كلام ابن رسلان فإن قلت قد وقع في أحاديث الباب لفظ الجوربين مطلقا غير مقيد بشي من هذه القيود التي قيدهما بها هؤلاء الأئمة فما بالهم قيدوهما بها واشرطوا جواز المسح عليهما بتلك القيود فبعضهم بالتجليد وبعضهم بالتنعيل وبعضهم بالصفاقة والثخونة قلت الأصل هو غسل الرجلين كما هو ظاهر القران والعدول عنه لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة اتفق على صحتها أئمة الحديث كأحاديث المسح على الخفين فجاز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الخفين بلا خلاف وأما أحاديث المسح على الجوربين ففي صحتها كلام عند أئمة الفن كما عرفت فكيف يجوز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الجوربين مطلقا وإلى هذا أشار مسلم يقوله لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل انتهى فلأجل ذلك اشترطوا جواز المسح على الجوربين بتلك القيود ليكونا في معنى الخفين ويدخلا تحت أحاديث الخفين فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين ورأى بعضهم أنهما إذا كانا منعلين كانا في معناهما وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كانا في معناهما وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين والله تعالى أعلم فإن قلت قد ضعف الإمام أحمد حديث المسح على الجوربين ومع تضعيفه قد قال بجواز المسح على الجوربين ولم يقيدها بشئ من هذه القيود كما يظهر من كلام ابن العربي قلت قد قيدهما الإمام أحمد أيضا بقيد الثخونة كما صرح به الترمذي وقال ابن قدامة في المغني قد قال أحمد في موضع لا يجزيه المسح على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا يقوم قائما في رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ انتهى كلامه وقد قال قيل هذا سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه فكره الخرق ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة وأنها لا تثبت بأنفسها فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق انتهى كلامه على أنه لم يعتمد على حديث الجوربين بل اعتمد على آثار الصحابة رضي الله عنهم قال الحافظ بن القيم في تلخيص السنن قد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر
(٢٨٤)