واستدل الحنفية على تنجس ماء البئر وإن كان زائدا على قدر القلتين وطهارته بنزح الماء بما رواه الطحاوي وابن أبي شيبة عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبكم قالوا إسناد هذا الأثر صحيح ويردون به حديث القلتين قلت سلمنا أن إسناده صحيح لكن قد تقرر أن صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن ولو سلم صحة المتن فيحتمل أن يكون نزح لنجاسة ظهرت على وجه الماء أو تطييبا للقلوب وتنظيفا للماء فإن زمزم للشرب لا من جهة الوجوب الشرعي وقد اعترف به صاحب السعاية من الحنفية حيث قال فيها ص 224 وما روي عنهم من النزح لا يدل على النجاسة بل يحتمل التنظيف والتنزه انتهى وأما ما قال صاحب الجوهر النقي من أن الراوي جعل علة نزحها موته دون غلبة دمه لقوله مات فأمر أن تنزح كقوله زنى ماعز فرجم انتهى ففيه نظر فإنه ليس فيه دليل على أن الموت كان علة للنزح إنما فيه أن الزنجي مات في زمزم فأمر بعد ذلك أن تنزح وأما أن علة النزح هل هي الموت أو أمر آخر فلا يدل عليه لفظ مات فأمر أن تنزح كما قال الطحاوي في شرح الآثار ليس في حديث أبي الدرداء وثوبان قاء فأفطر دليل على أن القئ كان مفطرا له إنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك انتهى وقال الشيخ العلامة محدث الهند الشاه ولي الله في كتابه حجة الله البالغة ص 142 ج 1 وقد أطال القوم في فروع موت الحيوان في البئر والعشر في العشر والماء الجاري وليس في كل ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم البتة وأما الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين كأثر ابن الزبير في الزنجي وعلى في الفأرة والنخعي والشعبي في نحو السنور فليست مما يشهد له المحدثون بالصحة ولا مما اتفق عليه جمهور أهل القرون الأولى وعلى تقدير صحتها يمكن أن يكون ذلك تطيبا للقلوب وتنظيفا للماء لا من جهة الوجوب الشرعي كما ذكر في كتب المالكية ودون نفي هذا الاحتمال خرط القتاد وبالجملة فليس في هذا الباب شئ يعتد به ويجب العمل عليه وحديث القلتين أثبت من ذلك كله بغير شبهة ومن المحال أن يكون الله تعالى شرع في هذه المسائل لعباده شيئا زيادة على ما لا ينفكون عنه من الارتفاقات وهي مما يكثر وقوعه وتعم به البلوى ثم لا ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم نصا جليا ولا يستفيض في الصحابة ومن بعدهم ولا حديث واحد فيه انتهى كلامه وقال الحافظ ابن حجر في الدراية روى البيهقي من طريق ابن عيينة كنت أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي ولا سمعت أحدا يقول نزحت زمزم وقال الشافعي إن ثبت هذا عن ابن عباس فلعل نجاسته ظهرت على وجه الماء أو نزحها للتنظيف انتهى قال البيهقي في السنن الكبرى بعد ذكر قول الشافعي وابن عيينة وعن أبي عبيد
(١٧٨)