انتهى كلام صاحب السعاية الفائدة الثالثة تمسك الظاهرية بحديث الباب على أن البئر لا تتنجس بوقوع النجاسة فيها قليلا كان الماء فيها أو كثيرا تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغير وقد عرفت أن حديث الباب وما في معناه ليس على إطلاقه وعمومه بل هو مخصوص بأحاديث أخرى صحيحة ولنا أن نذكر ههنا مذاهب أخرى في طهارة البئر ونجاستها فاعلم أنهم اختلفوا فيما إذا وقعت نجاسة في البئر هل تتنجس أم لا على مذاهب الأول مذهب الظاهرية وقد ذكرناه آنفا والثاني أنه إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه يتنجس وإلا لا وهو مذهب المالكية وتمسكوا بحديث الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه وقد تقدم تخريجه والثالث أن الماء في البئر إن كان دون القلتين يتنجس وإن كان قدر القلتين فصاعدا لا يتنجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه وهو مذهب الشافعية وتمسكوا بحديث القلتين وهو المذهب الراجح وبه عمل الإمام أبو يوسف في بغداد كما عرفت أن أبا يوسف اغتسل يوم الجمعة وصلى بالناس إماما ببغداد فوجدوا في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا كذا في التتارخانية وغيرها والرابع إن كان غديرا عظيما بحيث لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر لم يتنجس وإلا يتنجس وهو مذهب المتقدمين من الحنفية الخامس إن كان عشرا في عشر لا يتنجس وإلا يتنجس وهو مسلك أكثر المتأخرين من الحنفية وقد مر في الفائدة الثانية أن للحنفية في الماء أربعة عشر مذهبا فكلها تجري ههنا وها هنا مذهب آخر زائد على ما مر خاص بالآبار وهو ما روي عن محمد أنه قال اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف على أن ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فهو كحوض الحمام يصب من جانب ويخرج من جانب آخر فلا يتنجس كذا نقله في الغنية وفتح القدير وغيرهما ثم إذا تنجس ماء البئر هل يطهر بنزح الماء أم لا فقال بشر المريسي إنه لا يطهر أبدا لأنه وإن نزح جميع ما فيها يبقى الطين والحجارة نجسا فيتنجس الماء الجديد فلا سبيل إلى طهارته كذا حكاه ابن الهمام والعيني وغيرهما عنه وقال غير بشر المريسي من أهل العلم يطهر البئر بنزح الماء
(١٧٧)