وأما ما وقع عند يعقوب بن سفيان من مرسل عبيدة السلماني أن الأنصار كانوا سبعين ومائتين فليس بثابت وقد وقع عند الحاكم من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجسري عن شعبة في هذا الحديث أن المهاجرين كانوا نيفا وثمانين وهو خطأ في هذه الرواية لاطباق أصحاب شعبة على ما وقع في البخاري (قوله والأنصار نيف وأربعين ومائتين) النيف بفتح النون وتشديد التحتانية وقد تخفف وهو ما بين العقدين وقال في الأول نيفا بنصبه على أنه خبر كان وقال في الثاني نيف برفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف وقد وقع عند البيهقي بالنصب فيهما وهو واضح وهو الذي وقع في رواية شعبة عن تفصيل عدد المهاجرين والأنصار يوافق جملته ما وقع في رواية زهير وإسرائيل وسفيان انهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر لكن الزيادة على العشر مبهمة وقد سبق في الباب قبله أن في حديث عمر عند مسلم أنها تسعة عشر لكن أخرجه أبو عوانة وابن حبان بإسناد مسلم بلفظ بضعة عشر وللبزار من حديث أبي موسى ثلاثمائة وسبعة عشر ولأحمد والبزار والطبراني من حديث ابن عباس كان أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي من رواية عبيدة بن عمر والسلماني أحد كبار التابعين ومنهم من وصله بذكر على وهذا هو المشهور عند ابن إسحاق وجماعة من أهل المغازي ويقال عن ابن إسحاق وأربعة عشر وروى سعيد بن منصور من مرسل أبي اليمان عامر الهوزني ووصله الطبراني والبيهقي من وجه آخر عن أبي أيوب الأنصاري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال لأصحابه تعادوا فوجدهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ثم قال لهم تعادوا فتعادوا مرتين فأقبل رجل على بكر له ضعيف وهم يتعادون فتمت العدة ثلاثمائة وخمسة عشر وروى البيهقي أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ومعه ثلاثمائة وخمسة عشر وهذه الرواية لا تنافي التي قبلها لاحتمال أن تكون الأولى لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا الرجل الذي أتى آخرا وأما الرواية التي فيها وتسعة عشر فيحتمل أنه ضم إليهم من استصغر ولم يؤذن له في القتال يومئذ كالبراء وابن عمر وكذلك أنس فقد روى أحمد بسند صحيح عنه أنه سئل هل شهدت بدرا فقال وأين أغيب عن بدر انتهى وكأنه كان حينئذ في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه لأنه خدمه عشر سنين وذلك يقتضي أن ابتداء خدمته له حين قدومه المدينة فكأنه خرج معه إلى بدر أو خرج مع عمه زوج أمه أبي طلحة وحكى السهيلي أنه حضر مع المسلمين سبعون نفسا من الجن وكان المشركون ألفا وقيل سبعمائة وخمسون وكان معهم سبعمائة بعير ومائة فرس ومن هذا القبيل جابر بن عبد الله فقد روى أبو داود بإسناد صحيح عنه قال كنت أمنح الماء لأصحابي يوم بدر وإذا تحرر هذا الجمع فليعلم أن الجميع لم يشهدوا القتال وإنما شهده منهم ثلاثمائة وخمسة أو ستة كما أخرجه ابن جرير وسيأتي من حديث أنس أن ابن عمته حارثة ابن سراقة خرج نظارا وهو غلام يوم بدر فأصابه سهم فقتل وعند ابن جرير من حديث ابن عباس أن أهل بدر كانوا ثلاثمائة وستة رجال وقد بين ذلك ابن سعد فقال أنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة وكأنه لم يعد فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين وجه الجمع بأن ثمانية أنفس عدوا في أهل بدر ولم يشهدوها وإنما ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهامهم لكونهم تخلفوا لضرورات لهم وهم عثمان بن عفان تخلف عن زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(٢٢٧)