ما دام لم توضع قاعدة لانتخاب الخلفاء، ولم يعين أهل الحل والعقد الذين يرجع إليهم، فأحسن ما يفعل هو أن يختار الخليفة ولي عهد قبل أن يموت، لأن ذلك يبعد الاختلاف الذي هو شر على الأمة من جور إمامها. ص 119.
وقال: ومما انتقد الناس معاوية أنه اختار ابنه للخلافة وبذلك سن في الاسلام سنة الملك المنحصر في أسرة معينة بعد أن كان أساسه الشورى ويختار من عامة قريش وقالوا: إن هذه الطريقة التي سنها معاوية تدعوا في الغالب إلى انتخاب غير الأفضل الأليق من الأمة، وتجعل في أسرة الخلافة الترف والانغماس في الشهوات والملاذ والرفعة على سائر الناس.
أما رأينا في ذلك فإن هذا الانحصار كان أمرا حتما لا بد منه لصلاح أمر المسلمين وألفتهم ولم شعثهم، فإنه كلما اتسعت الدائرة التي منها يختار الخليفة كثر الذين يرشحون أنفسهم لنيل الخلافة، وإذا انضم إلى ذلك اتساع المملكة الإسلامية، وصعوبة المواصلات بين أطرافها، وعدم وجود قوم معينين يرجع إليهم الانتخاب، فإن الانتخاب واقع، ونحن نشاهد أنه مع تفوق بني عبد مناف على سائر قريش، واعتراف الناس لهم بذلك وهم جزء صغير من قريش فإنهم تنافسوا الأمر وأهلكوا الأمة بينهم، فلو رضي الناس عن أسرة ودانوا لها بالطاعة واعترفوا باستحقاق الولاية لكان هذا خير ما يفعل لضم شعث المسلمين ص 124.
إن أعظم من ينتقد معاوية في تولية ابنه هم الشيعة مع أنهم يرون انحصار ولاية الأمر في آل علي، ويسوقون الخلافة في بنيه، بتركها الأب منهم للابن، وبنو العباس أنفسهم ساروا على هذه الخطة.
ج - لم ينتقد معاوية من ينتقده لمحض اختياره وإنما انتقده من ناحيتين: الأولى عدم لياقته للتفرد وهو كما قال أمير المؤمنين في كلام له: لم يجعل الله عز وجل له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الاسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب لم يزل لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عدوا هو وأبوه دخلا في الاسلام كارهين (1) وفي الأمة أهل الحل والعقد الذين اختاروا خلافة أبي بكر، ثم وافقوا