وكم من عبد أمسى وأصبح أسيرا مغلولا مكبلا بالحديد بأيدي العداة الذين لا يرحمونه، مفردا عن أهله وولده، منقطعا عن بلاده وإخوانه، يتوقع في كل ساعة بأية قتلة يقتل، وأية مثلة يمثل، وأنا في عافية وسلامة من ذلك فلك الحمد.
وكم من عبد أمسى وأصبح يباشر القتال ويقاسي الحروب قد غشيته الأعداء بالسيوف والرماح والنبل وآلة الحرب متقنع بالحديد، قد بلغ مجهوده لا يعرف حيلة، ولا يجد مهربا، قد أدنف بالجراحات، أو متشحط بدمه تحت السنابك والأرجل، يتمنى شربة ماء يشربها، أو نظرة إلى أهل وولد، وأنا في عافية من ذلك يا رب فلك الحمد.
وكم من عبد أمسى وأصبح غريبا مسافرا شاخصا عن أهله وولده، متحيرا في المفاوز، تائها فيها مع الوحوش والبهائم والهوام جائعا ظمآن، وحيدا فريدا لا يعرف حيلة، ولا يهتدي سبيلا، أو [في] جزع أو جوع أو عرى أو غيره من الشدائد، وأنا مما هو فيه خلو في عافية من ذلك يا رب فلك الحمد.
وكم من عبد أمسى وأصبح في ظلمات البحار، وعواصف الرياح، وأهوال الأمواج، يتوقع الغرق والهلاك، لا يقدر على حيلة، أو مبتلى بصاعقة، أو هدم أو حرق أو شرق أو غرق أو خسف أو مسخ أو قذف، وأنا من ذلك في عافية يا رب فلك الحمد.
وكم من عبد أمسى وأصبح فقيرا عائلا محزونا عاريا جائعا ظمآن ينتظر من يعود عليه بفضل، أو عبد لك هو أوجه مني عندك، وأشد عبادة مملوك مقهور، قد حمل ثقلا من تعب العناء، وشدة العبودية، وثقل الضريبة، أو مبتلى ببلاء شديد وأنا المخدوم المنعم عليه في عافية مما هو فيه، يا رب فلك الحمد إلهي.
وكم من عدو انتضى على سيف عداوته، وشحذ لي ظباة مديته، وأرهف لي شباة حده، وداف لي قواتل سمومه، وسدد إلى صوائب سهامه، ولم تنم عنى عين حراسته، وأضمر على أن يسومني المكروه، ويجر عني ذعاف مرارته، فنظرت