فحكيم مؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودع، وأما غدا فإنما في يديك منه الأمل، فان يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته، وإن يكن يومك هذا آنسك بمقدمه عليك، فقد كان طويل الغيبة عنك، وهو سريع الرحلة فترود منه وأحسن وداعه.
خذ بالثقة من العمل، وإياك والاغترار بالامل، ولا تدخل عليك اليوم هم غد، يكفي اليوم همه، وغدا داخل عليك بشغله، إنك إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك، وتكلفت أن تجمع في يومك ما يكفيك أياما فعظم الحزن وزاد الشغل، واشتد التعب، وضعف العمل للأمل ولو أخليت قلبك من الأمل لجددت في العمل، والأمل الممثل في اليوم غدا أضرك في وجهين: سوفت به العمل وزدت به في الهم والحزن.
أولا ترى أن الدنيا ساعة بين ساعتين، ساعة مضت، وساعة بقيت، وساعة أنت فيها، فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية، والساعة التي أنت فيها منزلة الضيفين نزلا بك، فظعن الراحل عنك بذمه إياك، وحل النازل بك بالتجربة لك، فاحسانك إلى الثاوي يمحو إساءتك إلى الماضي، فأدرك ما أضعت به عتابك مما استقبلت، واحذر أن تجمع عليك شهادتهما فيوبقاك.
ولو أن مقبورا من الأموات قيل له: هذه الدنيا أولها إلى آخرها تخلفها لولدك الذي لم يكن لك هم غيره، أو يوم نرده إليك فتعمل فيه لنفسك؟ لاختار يوما يستعتب فيه من سيئ ما أسلف على جميع الدنيا به يورثها ولدا خلفه، فما يمنعك أيها المغتر المضطر المسوف أن تعمل على مهل، قبل حلول الأجل، وما يجعل المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك، الا تسعى في تحرير رقبتك، وفكاك رقك ووقاء نفسك من النار التي عليها ملائكة غلاظ شداد.
وقال عليه السلام: أوصيكم عباد الله بتقوى الله عز وجل واغتنام ما استطعتم عملا به من طاعة الله عز وجل في هذه الأيم الخالية، بجليل ما يشقى عليكم به الفوت