بعد الموت، وبالرفض لهذه [الدنيا] التاركة لكم، وإن لم تكونوا تحبون تركها والمبلية لكم وإن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها كركب سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه، وأموا علما، فكأن قد بلغوه، وكم عسى من المجري إلى الغاية أن يجري حتى يبلغها، فكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، ومن ورائه طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها.
فلا تتنافسوا في [عز] الدنيا وفخرها، ولا تعجبوا بزينتها، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها، فان عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع، وإن زينتها ونعيمها إلى زوال، وإن ضراءها وبؤسها إلى نفاد، وكل مدة فيها إلى منتهى، وكل حي فيها إلى فناء.
أو ليس لكم في آثار الأولين [مزدجر] وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر إن كنتم تعقلون، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقي منكم لا يبقون؟ قال الله عز وعلا " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " (1) الآية والتي بعدها، وقال عز وجل " كل نفس ذائقة الموت وإنما يوفون أجورهم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " (2).
ألستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى: ميت يبلى، وآخر يعزى، وصريع مبتلى، وعائد معود، وآخر بنفسه يجود، وطالب والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى اثر الماضي منا يمضي الباقي، فلله الحمد رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، الذي يبقى ويفنى ما سواه، وإليه موئل الخلق ومرجع الأمور (3).
وقال عليه السلام: أما بعد فاني أحذركم الدنيا، فإنها حلوة خضرة، حفت