وعزيزها مغلوب، وضيفها منكوب، وجارها محروم، مع أن وراء ذلك سكرات الموت وزفراته، وهول المطلع، والوقوف بين يدي إلهكم الحكم ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
ألستم في مساكن من كان قبلكم؟ كانوا أطول منكم أعمارا، وأبقى منكم آثارا، وأعد منكم عديدا، وأكثف منكم جنودا، وأشد منكم عنودا، تعبدوا للدنيا اي تعبد، وآثروها أي إيثار، ثم ظعنوا عنها بالصغار، وهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم نفسا بفدية، أو عدت عنهم فيما أهلكتهم به بخطب، بل أوهنتهم بالقوارع، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالمناخر، وأعانها عليهم ريب المنون.
فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها، وآثرها أو أخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق أبد أو إلى آخر زوال، هل زودتهم إلا السغب؟ أو أحلتهم إلا إلى الضنك أو نورت لهم إلا الظلمة؟ أو أعقبتهم إلا النار؟ ألهذه تؤثرون؟ أم عليها تربصون؟
أم إليها تطمئنون، يقول الله عز وجل: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " (1).
فبئست الدار لمن لم يتهمها، ولم يكن فيها على وجل منها، اذكروا عند تصرفها بكم سرعة انقضائها عنكم، ووشك زوالها، وضعف مجالها، ألم تجدكم على مثال من كان قبلكم، ووجدت من كان قبلكم على مثال من كان قبلهم، جيل بعد جيل، وأمة بعد أمة، وقرن بعد قرن، وخلف بعد خلف، فلا هي تستحي من العار، وما لا ينبغي من المبديات، ولا تخجل من الغدر.
اعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد وإنما هي كما نعت الله عز وجل " لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " (2).
فاتعظوا فيها بالذين كانوا يبنون، بكل ريع آية يعبثون * ويتخذون مصانع