بانفاد لذتها، وموبقات شهواتها، وأسر نافرها، قنصت بأحبلها، وقصدت بأسهمها مائلا لهناتها، وتعلل بهباتها ليالي عمره، وأيام حياته، قد علقته أوهاق المنية فأردته بمرائرها (1) قائدة له بحتوفها، إلى ضنك المضجع، ووحشة المرجع، ومجاورة الأموات، ومعاينة المحل، وثواب العمل ثم ضرب على أدناهم سبات الدهور، وهم لا يرجعون، قد ارتهنت الرقاب بسالف الاكتساب، و أحصيت الآثار لفصل الخطاب وقد خاب من حمل ظلما.
وقال عليه السلام في ذم الدنيا في خطبة خطبها: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق ودين الهدى ليزيح به علتكم، وليوقظ به غفلتكم، واعلموا أنكم ميتون، ومبعوثون من بعد الموت، وموقوفون على أعمالكم، ومجزون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها دار بالبلاء محفوفة، وبالعناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، لا تدوم أحوالها ولا يسلم من شرها، بينا أهلها منها في رخاء وسرور، إذ هم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة، وتارات متصرفة، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، وتقصمهم بحمامها، وكل حتفه فيها مقدور، وحظه منها موفور.
واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم باعا، وأشد منكم بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول تغلبها، وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة، والستور والنمارق الممهدة، الصخور والأحجار المسندة، في القبور التي قد بني للخراب فناؤها، فمحلها مقترب