بالشهوات، وراقت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وعمرت بالآمال، وتزينت بالغرور فلا تدوم نعمتها، ولا تفنى فجايعها، غدارة ضرارة، حائلة زائلة، نافدة بائدة أكالة غوالة، لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الرغبة فيها والرضا بها كما قال الله عز وجل: " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا " (1).
مع أن امرءا لم يكن منها في حبرة إلا أعقبته منها بعد بعبرة، ولم يلق من سرائها بطنا إلا أعطته من ضرائها ظهرا، ولم يطله فيها ديمة رخاء، إلا هتنت (2) عليه منها مزنة بلاء، وحري إذا أصبحت لك متحبرة، أن تمسي لك متنكرة (3) وان جانب منها اعذوذب لامرء واحلولى، أمر عليه جانب فأوبى، وإن آنس إنسان من غضارتها رغبا، أرهقته من بوائقها تعبا، غرارة غرور ما فيها، فان من عليها، ولم يمس امرء منها في جناح أمن إلا أصبح في جوف خوف (4) لا خير في شئ من زادها إلا التقوى، من أقل منها استكثر مما يوبقه، ومن استكثر منها لم تدم له وزالت عنه.
كم واثق بها فجعته، وذي طمأنينة إليها صرعته، وذي خدع فيها خدعته وكم من ذي أبهة فيها قد صيرته حقيرا، وذي نخوة فيها قد ردته خائفا فقيرا وكم من ذي تاج قد أكبته لليدين والفم، سلطانها دول، وعيشها رنق، وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها رمام، وقطافها سلع، حيها بعرض موت، وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام، وملكها مسلوب