أين آباؤكم وأمهاتكم؟ أين إخوانكم؟ أين أخواتكم؟ أين أولادكم دعوا فأجابوا، واستودعوا الثرى، وجاوروا الموتى، وصاروا في الهلكى، وخرجوا عن الدنيا وفارقوا الأحبة، واحتاجوا إلى ما قدموا، واستغنوا عما خلفوا، كم توعظون؟ وكم تزجرون؟ وأنتم لاهون ساهون؟ مثلكم في الدنيا مثل البهايم أهمتكم بطونكم وفروجكم، أما تستحيون ممن خلقكم، قد وعد من عصاه النار ولستم ممن يقوى على النار، ووعد من اطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الاعلى، فتنافسوا وكونوا من أهله، وانصفوا من أنفسكم، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا، وكونوا عبيدا أبرارا، ولا تكونوا ملوكا جبابرة، ولا من الفراعنة المتمردين على الله، قهرهم بالموت جبار الجبابرة، رب السماوات ورب الأرض، وإله الأولين والآخرين، مالك يوم الدين، شديد العقاب، الأليم العذاب، لا ينجو منه ظالم، ولا يفوته شئ ولا يتوارى منه شئ، أحصى كل شئ علمه، وأنزله منزله، في جنة أو نار.
ابن آدم الضعيف! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك، وبياض نهارك؟
وفي كل حال من حالاتك؟ فقد أبلغ من وعظ، وافلح من اتعظ.
قال الله تعالى: يا موسى إن الدنيا دار عقوبة، وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما كان لي، يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا فيها بقدر علمهم وسائرهم من خلقي رغبوا فيها بقدر جهلهم، وما من خلقي أحد عظمها فقرت عينه ولم يحقرها أحد إلا انتفع بها.
ثم قال الصادق عليه السلام: إن قدرتم الا تعرفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يثن عليك الناس، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا إن عليا عليه السلام كان يقول: لا خير في الدنيا، إلا لاحد رجلين: رجل يزداد كل يوم إحسانا، ورجل يتدارك سيئة بالتوبة، وأنى له بالتوبة، والله لو سجد حتى ينقطع عنقه، ما قبل الله منه إلا بولايتنا.