فظاهر، لجواز أن يخلق رؤيتهم في بعض الابصار والأحوال دون البعض، وأن يحفظ بالقدرة والإرادة تركيبهم ويبدل أشكالهم.
وأما على القول بالايجاب فلجواز أن يكون فيهم من العنصر الكثيف ما يحصل منه الرؤية لبعض الابصار دون البعض وفي بعض الأحوال دون البعض، أو يظهروا أحيانا في أجسام كثيفة هي بمنزلة الغشاء والجلباب لهم فيبصروا وأن يكون نفوسهم أو أمزجتهم أو صورهم النوعية تقتضي حفظ تركيبهم عن الانحلال وتبدل أشكالهم بحسب اختلاف الأوضاع والأحوال ويكون فيهم من الفطنة والذكاء ما يعرفون به جهات هبوب الرياح وسائر أسباب انحلال التركيب، فيحترزون عنها ويأوون إلى أماكن لا يلحقهم ضرر.
وأما الجواب بأنه يجوز أن تكون لطافتهم بمعنى الشفافية دون رقة القوام فلا يلائم ما يحكى عنهم من النفوذ في المنافذ الضيقة والظهور في ساعة واحدة في صور مختلفة بالصغر والكبر ونحو ذلك.
ثم ذكر مذاهب الحكماء في ذلك فقال: والقائلون من الفلاسفة بالجن والشيطان زعموا أن الجن جواهر مجردة لها تصرف وتأثير في الأجسام العنصرية من غير تعلق بها تعلق النفوس البشرية بأبدانها والشياطين هي القوى المتخيلة في أفراد الانسان من حيث استيلائها على القوى العقلية وصرفها عن جانب القدس واكتساب الكمالات العقلية إلى اتباع الشهوات واللذات الحسية والوهمية.
ومنهم من زعم أن النفوس البشرية بعد مفارقتها عن الأبدان وقطع العلاقة عنها إن كانت خيرة مطيعة للدواعي العقلية فهم الجن، وإن كانت شريرة باعثة على الشرور والقبائح معينة على الضلال والانهماك في الغواية فهم الشياطين وبالجملة فالقول بوجود الملائكة والشياطين مما انعقد عليه إجماع الآراء ونطق به كلام الله تعالى و كلام الأنبياء عليهم السلام وحكي مشاهدة الجن عن كثير من العقلاء وأرباب المكاشفات من الأولياء فلا وجه لنفيها كما لا سبيل إلى إثباتها بالأدلة العقلية، ثم ذكر طريقة المتألهين من الحكماء وقولهم بالعالم بين العالمين وعالم المثال، وانهم جعلوا الملائكة والجن والشياطين والغيلان من هذا العالم وقد مضى بعض الكلام فيه.