وأجيب بالمنع فإنه فسرت الآية بوجوه أخرى: منها أن المراد به قول الزنادقة: إن الله وإبليس أخوان أو إن الله خلق النور والخير والحيوان النافع، وإبليس خلق الظلمة والشر والحيوان الضار، وبعضهم أشركوا الشيطان في عبادة الله تعالى، وذلك هو النسب الذي جعلوه بينه سبحانه وبين الجنة.
ومنها أنهم قالوا: صاهر الله الجن فحدثت الملائكة.
واحتج القائلون بأنه من الملائكة بوجهين: الأول أن الله تعالى استثناه من الملائكة، والاستثناء يفيد اخراج ما لولاه لدخل، وذلك يوجب كونه من الملائكة.
وأجيب بأن الاستثناء ههنا منقطع، وهو مشهور في كلام العرب، كثير في كلامه تعالى، قال سبحانه: " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما (1) " وقال:
" لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم (2) " وأيضا فلانه كان جنيا واحدا بين الألوف من الملائكة فغلبوا عليه في قوله: " فسجدوا " ثم استثنى هو منهم استثناء واحد منهم وقد كان مأمورا بالسجود معهم، فلما دخل معهم في الأمر جاز اخراجه بالاستثناء منهم.
ورد بأن كل واحد من هذين الوجهين على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا عند الضرورة، والدلائل التي ذكرتموها في نفي كونه من الملائكة ليس فيها إلا الاعتماد على العمومات، فلو جعلناه من الملائكة لزم تخصيص ما عولتم عليه من العمومات، ولو قلنا: إنه ليس من الملائكة لزمنا حمل الاستثناء على المنقطع، ومعلوم أن تخصيص العموم أكثر في كتاب الله من حمل الاستثناء على المنقطع فكان قولي أولى، وأما قولكم: إنه جني واحد بين الألوف من الملائكة فغلبوا عليه فنقول: إنما يغلب الكثير على القليل إذا كان ذلك القليل ساقط العبرة غير ملتفت إليه، وأما إذا كان معظم الحديث ليس إلا عن ذلك الواحد لم يجز تغليب غيره عليه، وفيه نظر.
الثاني أنه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى: " وإذ قلنا للملائكة