وأنواع الثمار رزقا لبني آدم. وأيضا خلق المكلفين أحياء قادرين أصل لجميع النعم وأما خلق الأرض والسماء فذاك إنما ينتفع به بشرط حصول الخلق والحياة والقدرة والشهوة، وذكر الأصول مقدم على ذكر الفروع. وأيضا كل ما كان في السماء والأرض من الدلائل على وجود الصانع فهو حاصل في الانسان بزيادة الحياة والقدرة والشهوة والعقل، ولما كانت وجوه الدلالة فيه أتم كان تقديمه في الذكر أهم.
والفراش: اسم لما يفرش كالبساط لما يبسط، وليس من ضرورات الافتراش أن يكون سطحا مستويا كالفراش على ما ظن، فسواء كانت كذلك وعلى شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم جرمها وتباعد أطرافها، ولكنه لا يتم الافتراش عليها ما لم تكن ساكنة في حيزها الطبيعي وهو وسط الأفلاك، لان الأثقال بالطبع تميل إلى تحت كما أن الخفاف بالطبع تميل إلى فوق، والفوق من جميع الجوانب ما يلي السماء، والتحت ما يلي المركز، فكما أنه يستبعد حركة الأرض في ما يلينا إلى جهة السماء فكذلك يستبعد هبوطها في مقابلة ذلك، لان ذلك الهبوط صعود أيضا إلى السماء فإذن لا حاجة في سكون الأرض وقرارها في حيزها إلى علاقة من فوقها ولا إلى دعامة من تحتها، بل يكفي في ذلك ما أعطاها خالقها، وركز فيها من الميل الطبيعي إلى الوسط الحقيقي بقدرته واختياره " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ".
ومما من الله على عباده في خلق الأرض أن لم تجعل في غاية الصلابة كالحجر ولا في غاية اللين والانغمار كالماء، ليسهل النوم والمشي عليها، وأمكنت الزراعة واتخاذ الأبنية منها، ويتأتى حفر الآبار وإجراء الأنهار. ومنها أن لم تخلق في نهاية اللطافة والشفيف لتستقر الأنوار عليها وتتسخن منها فيمكن جوازها (1).
ومنها أن جعلت بارزة بعضها من الماء مع أن طبعها الغوص فيه لتصلح لتعيش الحيوانات البرية عليها، وسبب انكشاف ما برز منها - وهو قريب من ربعها - أن لم تخلق صحيحة الاستدارة، بل خلقت هي والماء بمنزلة كرة واحدة، يدل على ذلك في ما بين الخافقين